وغودر منه الجسم شلوا على الثرى
طريحا ومن مور الرياح تبرقعا
وقد شيل منه الرأس من فوق أسمر
كبدر الدجى يزداد نورا مشعشعا
ويهدى وعين الله تنظره إلى
كفور عنيد في البرية أكوعا
إخوتنا الأكارم.. إن الذي اعتاده الناس وألفوه، هو ظهور المعجزة في حياة أصحابها، إلا أن الذي امتاز به أهل البيت، النبي وآله صلوات الله عليه وعليهم، أن معجزاتهم لم تنقطع حتى بعد شهادتهم.
ولقد كان الرأس المقدس لسبط النبي المصطفى بعد فصله عن الجسد المبارك، أحد معاجز الإمام الحسين سلام الله عليه، حيث كان له نور وكلام، وتساؤل وجواب، فنبه غافلين، وردع متجاوزين، واحتج على معاندين ومشككين، وهدى كثيرين.
روى الخوارزمي الحنفي أن (نوار) صرخت بزوجها خولى بن يزيد الأصبحي: ويلك! جاء الناس بالذهب والفضة، وجئت أنت برأس ابن رسول الله! والله لا تجمع رأسي ورأسك وسادة أبدا! قالت نوار ذلك ثم روت هذا المشهد: قمت من فراشي إلى الدار..
فما زلت والله أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الاجانة التي فيها الرأس إلى السماء، ورأيت طيورا بيضاء ترفرف حول الاجانة وحول الرأس... وعن مسلم الجصاص قال: بينما كنت أجصص الأبواب في دار الإمارة في الكوفة، إذا بالزعقات ارتفعت، فسألت: مالي أرى الكوفة تضج؟! قال الخادم: الساعة أتوا برأس الخارجي، فقلت: من؟ قال: الحسين بن علي. قال مسلم: فتركت الخادم حتى خرج، ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهبا. وقال سهل الشهرزاري: أوقفوا السبايا والرؤوس بباب بني خزيمة، ورأس الحسين على قناة طويلة وهو يقرأ سورة الكهف، إلى أن بلغ قوله تعالى: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً"(سورة الكهف الاية التاسعة)، قال سهل: فبكيت وقلت: إن هذا أمر عظيم! يابن رسول الله، رأسك أعجب! ثم وقعت مغشيا علي، فلم أفق حتى ختم الحسين سورة الكهف!
ذكر ابن الأثير في مؤلفه (الكامل في التاريخ)، وابن حجر الهيثمي المكي في كتابه (الصواعق المحرقة) أنه لما جيء برأس القداسة إلى قصر الإمارة ووضع أمام عبيد الله بن زياد سالت الحيطان دما! وأكد ذلك المؤرخ الحافظ ابن عساكر الدمشقي الشافعي في (تاريخ مدينة دمشق)، والخوارزمي في (مقتل الحسين عليه السلام)، والهيثمي الشافعي في (مجمع الزوائد)، وابن كثير في (البداية والنهاية).. وغيرهم، مضيفين أن نارا خرجت من بعض نواحي القصر فقصدت سرير عبيد الله بن زياد، فولى هاربا ودخل بعض حجرات القصر، وروي أن الرأس المبارك قال له بصوت جهوري سمعه هو ومن حضر قصره: (إلى أين تهرب؟! فإن لم تنلك في الدنيا – أي النار – فهي في الآخرة مثواك!) وقيل إن النار اضطرمت في وجه عبيد الله، فردها بكمه، ثم التفت إلى حاجبه يسأله: هل رأيت؟ قال: نعم، فأمره أن يكتم الأمر!
ومع ذلك، لم يرتدع عبيدالله وهو الذي نما على كل ظلم وحرام، فأدخل السبايا ليتشفى بأحزانهن وهن يتطلعن إلى رأس أبي عبدالله الحسين، حتى إذا وضعه بين يديه سطعت الأنوار الإلهية متصاعدة من أسارير الأقدس إلى السماء!
وكان زيد بن أرقم منحرفا عن أميرالمؤمنين عليه السلام، وممن كتموا ولاية علي عليه السلام والوصاية به بعد رسول الله، لكنه بعد أن طيف بالرأس الشريف في سكك الكوفة أصابته الصدمة، فقال يروي: كنت في غرفة لي، فمروا علي بالرأس وهو على رمح، فلما حاذاني سمعته يقرأ: ((أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا)) قال ابن أرقم: فقف شعري وناديته: رأسك – والله – يابن رسول الله أعجب وأعجب!! ….
وذاك – أيها الإخوة الأفاضل – الحارث بن وكيدة، وكان من القوم، ثم نقل هذا المشهد قائلا: كنت فيمن حمل رأس الحسين، فسمعته يقرأ سورة الكهف، فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة الحسين! فقال لي: يابن وكيدة! أما علمت أنا – معاشر الأئمة – أحياء عند ربنا نرزق؟! قال ابن وكيدة: فقلت في نفسي: أسترق رأسه، فنادى: يابن وكيدة! ليس لك إلى ذلك سبيل، سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم إياي، فذرهم، "...فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ* إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ"(سورة غافر: الاية السبعون والحادي والسبعون)
ونعود – أيها الإخوة الأحبة – إلى زيد بن أرقم، وكان شيخا كبيرا، وكما علمنا لم يكن من أتباع أهل البيت عليهم السلام، لكنه لما رأى عبيدالله بن زياد ينكث ثنايا الرأس القدسي بالقضيب أمام السبايا والناس، صاح بعبيد الله: إرفع القضيب عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم انتحب باكيا وخرج وهو يقول: ملك عبد عبدا، فاتخذهم تلدا … ثم نادى بالناس: يا معشر العرب! أنتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة يقتل خياركم، ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعدا لمن رضي بالذل! ( ذكر ذلك ابن حجر الشافعي في: الصواعق المحرقة، وابن كثير في (البداية والنهاية، والهيثمي في: مجمع الزوائد، وابن عساكر في: تاريخ مدينة دمشق، والطبري في: تاريخ الأمم والملوك.) وفي (مناقب ال أبي طالب) روى ابن شهر آشوب أن الناس سمعوا من رأس أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه في دمشق صوتا يرتفع قائلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
فيما روى محمد تقي لسان الملك في كتابه (ناسخ التواريخ) عن المنهال بن عمرو أنه قال: - لما أدخل الرأس الشريف إلى الشام، رأيت رجلا يتلو القرآن أمام الرأس، فلما بلغ هذه الآية: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً"، قال منهال: أشهد الله لقد سمعت الرأس قال بلسان طلق زلق: (أعجب من أصحاب الكهف قتلي، وحملي!)... وأخيرا – أيها الأعزة – مع السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم وهذه التعليقة النافعة، حيث كتب في (مقتل الحسين، أوحديث كربلا) يقول حول معجزات رأس الإمام الحسين سلام الله عليه: لا يستغرب هذا من يفقه الأسرار الإلهية، فإن المولى سبحانه دعا سيد الشهداء إلى النهضة لكي تسد أبواب الضلال، كما أراد بهذه النهضة المقدسة تعريف الأمة الحاضرة والأجيال المتعاقبة، بضلالة الملتوين عن الصراط السوي، والعابثين بقداسة الشريعة، فأحب الإتيان بكل ما فيه توطيد أسس هذه الشهادة التي كتبت بدم الحسين الطاهر صحائف نيرة.. وكانت محفوفة بغرائب، منها استشهاد الرأس المعظم بالآيات الكريمة.
والكلام من رأس مقطوع هو أبلغ في إتمام الحجة على من أعمته الشهوات عن رؤية الحقائق، كما أن فيه تركيز العقائد على أحقية دعوة الإمام الحسين عليه السلام، والتي لم يقصد فيها إلا طاعة رب العالمين. أجل.. وهداية الناس إلى صراط الحق المبين وبهذا ينتهي أيها الأحباء لقاء اليوم من برنامج (بالحسين اهتديت) استمعتم له من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران شكرا لكم ودمتم في رعاية الله سالمين.