الحقّ باقٍ وإن عزّ النصير وإن
تداول الحكم صبيانٌ وعبدان
وظلّ آل رسول الله ذكرهم
عالٍ، فما استسلموا ذلّاً ولا هانوا
هم النجوم نجوم الأفق لامعةً
هم الجبال...فما رضوى وثهلان!
أئمّةٌ قربهم دينٌ...وحبّهم
فرضٌ...وبغضهم شركٌ وكفران
إن لاح صبحٌ ...فأبرار وألويةٌ
أو جنّ ليلٌ...فعبّادٌ ورهبان
أخلاقهم من رسول الله نابعةٌ
وهديهم بهدى الرحمان مزدان
أخوتنا الأحبة:
في (البداية والنهاية) كتب المؤرّخ المعروف ابن كثير أنّه لمّا قبض عبيد الله بن زياد على قيس بن مسهّر الصيداوي رسول الحسين إلى أهل الكوفة، أمره أن يصعد المنبر و يسبّ الحسين و أباه، فصعد قيسٌ المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليٍّ خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرمّة، فأجيبوه، وأسمعوا له وأطيعوا.
ثمّ لعن قيس بن المسهّر عبيد الله بن زيادٍ وأباه، ودعا لعلّيٍ والحسين، فأمر به ابن زيادٍ فألقي من رأس القصر فتقطّع!
ومن خطبةٍ ليزيد بن مسعود النهشليّ رحمه الله في قومه يبشّرهم بمقدم الإمام الحسين عليه السلام، قال: وهذا الحسين بن عليٍّ ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، ذوالشرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضلٌ لا يوصف، وعلمٌ لا ينزف، وهو أولى بهذا الأمر(أي بالإمامة)، لسابقته وسنّه، وقدمه وقرابته... يعطف على الصغير، ويحنوعلى الكبير. فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قومٍ وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة.
وذاك عبد الله بن الحرّ الجعفيّ الذي لم يستحب لدعوة الحسين لنصرته، لعلّه لم يلتق بأبي عبد الله الحسين سلام الله عليه إلاّ مرّة، لكنّه قال بعد ذلك: ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين، من الحسين!…ونقل المؤرّخ الشهير ابن عساكرفي (تاريخ مدينة دمشق) عن ابن سيرين، وهو من مشاهير أهل السنّة قوله: لم تبك السماء على أحدٍ بعد يحيى بن زكريّا، إلاّ على الحسين عليه السلام. وأضاف ابن سيرين يقول: ولمّا قتل الحسين اسودّت السماء، وظهرت الكواكب نهاراً حتّى رئيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السماء سبعة أيامٍ بلياليها كأنّها علقة!
نعم – إخوتنا الأحبّة-، بعد هذا نأتي إلى عصرنا الحديث، فمع تباعد الزمن عن عهد الإمام الحسين عليه السلام وعن واقعة الطفّ الكبرى في كربلاء، ووقائع يوم عاشوراء وما بعد عاشوراء، إلاّ أنّنا نجد أنّ الحسين ما يزال يعيش في الضمائر، وتنظر إليه العيون في عمق التأريخ بكلّ إكبارٍ وإجلالٍ وإعظام.
فهذا غاندي، ولم يكن على دين الإسلام، كان زعيم الهنود، ومحرّر قارّة الهند العظمى من براثن الاستعمار الذي جثم على صدور شعب الهند عقوداً من السنين، قال بعد تحريره: تعلّمت من الحسين...كيف أكون مظلوماً فأنتصر.
ونأتي إلى كتّابنا الإسلاميّين المعاصرين، فنجد أقلامهم تتلذّذ بالتدوين حول الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة، وتفتخر أنّها كتبت في ذكر الحسين، وتمجيد أبي عبد الله الحسين، والانتصار لثورة الإمام الحسين.
ففي كتابه حول (الحسين) كتب الأستاذ علي جلال حسيني: السيّد الزكيّ الإمام أبو عبد الله...جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال: من علوّ الهمّة، ومنتهى الشّجاعة، وأقصى غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظّلم، والتواضع في عزّ، والعدل والصبر والحلم، والعفاف والمروءة والورع، وغيرها.
واختصّ بسلامة الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحة العقل، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير...
وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها- مفيداً بعلمه، مرشداً بعمله، مهذّباً بكريم أخلاقه، ومؤدّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بماله، متواضعاً للفقراء، معظّماً عند الأمراء، موصلاً للصدقة على الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته وكان علم المهتدين، ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدىّ للمسترشدين بأنوار محاسنه، المقتفين آثار فضائله…..
فيما عرّف (رضا كحالة) العالم الرجاليّ قائلاً: الحسين بن عليّ، هو سيّد أهل العراق: فقهاً وحالاً، وجوداً وبذلاً. أما الأستاذ عبد الله العلايليّ، فقد حلّق في كتابه (تاريخ الحسين- أو سموّ الذات في سموّ المعنى) فقال: جاء في أخبار الحسين أنّه كان صورةً احتبكت ظلالها من اشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ عليه إشعاعةً غامرةً من حبّه، وأشياء نفسه، ليتمّ له أيضاً من وراء الصورة معناها، فتكون حقيقةً من بعد ما كانت من قبل إنسانيّةً ارتقت إلى نبوّة: "أنا من حسين"، ونبوّةً راحت إلى إنسانيّة "حسينٌ منّي"، وهذا الكاتب المعروف عبّاس محمود العقّاد يكتب (أبوالشهداء...الحسين بن عليّ) فيقول فيه: مثل الحسين للناس في حلّةٍ من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ الإنسان، غير مستثنىً منهم عربيٌّ ولا عجميّ، ولا قديمٌ ولا حديث، فليس في العالم أسرةٌ أنجبت من الشهداء ما أنجبتهم أسرة الحسين: عدّةً، وقدرةً، وذكرةً. وحسب الحسين أنّه وحده في تاريخ هذه الدنيا: هو الشهيد ابن الشهيد، أبو الشهداء، في مئات السنين.
وأخيراً...مع ما سطّره يراع الشيخ جعفر التستريّ في (الخصائص الحسينية) حيث كتب يقول: كتب مدحه (أي مدح الحسين صلوات الله عليه) عن يمين العرش انّه مصباح الهدى وسفينة النجاة. وقد مدحه الله تعالى في الأحاديث القدسية بمدائح، منها قوله: بورك من مولودٍ عليه صلواتي، ورحمتي وبركاتي.
وقد وصفه سبحانه وتعالى بقوله((نور أوليائي، وحجّتي على خلقي، والذخيرة للعصاة)). وقد مدحه رسول الله صلّى الله عليه وآله بمدائح عجيبة، منها قوله له: مرحباً بك يا زين السماوات والأرض...ومنها قوله: أيّها الناس، هذا الحسين بن عليٍّ فأعرفوه، و فضّلوه كما فضّله الله.
وقد مدحه جميع الأنبياء والملائكة، وعباد الله الصالحين، لكنّ خصوصيّة الحسين عليه السلام في الممدوحيّة أنّه ممدوح الأولياء والأعداء، فقد اختصّ بمدح أعدائه له: مدحه معاوية في وصيّته ليزيد، ومدحه عمر بن سعد في بعض أبياته، ومدحه قتلته حين وقفوا لمبارزته، و مدحه رافع رأسه الشريف حين قال لابن زياد:
إملأ ركابي فضّةً أو ذهبا
إنّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أمّاً وأبا
وخيرهم إذ ينسبون النّسبا
والى هنا ينتهي أيها الأحبة لقاءٌ آخر من برنامج بالحسين إهتديت قدمناه لكم من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعاية سالمين.