فَمَنِ اِسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ عَلَى سَبِيلِ اَلْجَنَّةِ، وإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ومَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ، وأَمَّا فُلاَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ اَلنِّسَاءِ، وضِغْنٌ غَلاَ فِي صَدْرِهَا، كَمِرْجَلِ اَلْقَيْنِ، ولَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ، لَمْ تَفْعَلْ، ولَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا اَلْأُولَى، واَلْحِسَابُ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى.
وقال عليه السلام في وصف الايمان:
سَبِيلٌ أَبْلَجُ اَلْمِنْهَاجِ، أَنْوَرُ اَلسِّرَاجِ، فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى اَلصَّالِحَاتِ، وبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى اَلْإِيمَانِ، وبِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ اَلْعِلْمُ، وبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ اَلْمَوْتُ، وبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ اَلدُّنْيَا، وبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ اَلْآخِرَةُ، وبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ اَلْجَنَّةُ، وتُبَرَّزُ اَلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ، وإِنَّ اَلْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ اَلْقِيَامَةِ، مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا، إِلَى اَلْغَايَةِ اَلْقُصْوَى.
حال اهل القبور في القيامة:
قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ اَلْأَجْدَاثِ، وصَارُوا إِلَى مَصَائِرِ اَلْغَايَاتِ، لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا، لاَ يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا، ولاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا.
وإِنَّ اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، واَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ، وإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ، ولاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ، وعَلَيْكُمْ بِ كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ اَلْحَبْلُ اَلْمَتِينُ، واَلنُّورُ اَلْمُبِينُ، واَلشِّفَاءُ اَلنَّافِعُ، واَلرِّيُّ اَلنَّاقِعُ، واَلْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، واَلنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ، لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، ولاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، ولاَ تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ اَلرَّدِّ، ووُلُوجُ اَلسَّمْعِ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، ومَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.
وقام إليه رجل وقال أخبرنا عن الفتنة:
وهل سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عنها:
فقال عليه السلام:
لَمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ: الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا، ورَسُولُ اَللَّهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ اَلَّتِي أَخْبَرَكَ اَللَّهُ تعالي بِهَا.
فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اَللَّهِ، أَ ولَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اُسْتُشْهِدَ مَنِ اُسْتُشْهِدَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ، وحِيزَتْ عَنِّي اَلشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ.
فَقُلْتَ لِي: أَبْشِرْ فَإِنَّ اَلشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ.
فَقَالَ لِي: إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ اَلصَّبْرِ، ولَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ اَلْبُشْرَى واَلشُّكْرِ.
وقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ اَلْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ ويَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، ويَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ، ويَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ، ويَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ اَلْكَاذِبَةِ، واَلْأَهْوَاءِ اَلسَّاهِيَةِ، فَيَسْتَحِلُّونَ اَلْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، واَلسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ، واَلرِّبَا بِالْبَيْعِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، بِأَيِّ اَلْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ.
فَقَالَ: بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ.