بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .. السلام عليكم احبائنا القرانيين الذين تجعلون تعاليم القران منهجا لحياتكم. أهلا بكم إلى هذه الوقفة المتأنية عند آيات أخرى من سورة صاد المباركة وهي من الاية 34 حتى 38 نشرع بالحديث ايها الاكارم بعد الاستماع إلى تلاوة الايتين 34 و 35 من هذه السورة المباركة:
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴿٣٤﴾
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٣٥﴾
تكملة للايات التي جرى الحديث عنها في الحلقة الماضية حول النعم التي أنعم الله بها على النبي سليمان (ع) تشير هذه الايات إلى أحد الاختبارات الالهية الصعبة التي لم تذكر في القران إلا أننا سنشير إليها اعتمادا على الروايات الصحيحة في هذا المجال.
كان النبي سليمان (ع) متزوجاً من عدّة نساء، وكان يأمل أن يُرزق بأولاد صالحين شجعان ليساعدوه في إدارة شؤون البلاد وجهاد الأعداء، فحدّث نفسه يوماً قائلا: لأطوفنّ على نسائي كي اُرزق بعدد من الأولاد لعلّهم يساعدونني في تحقيق أهدافي، ولكونه غفل عن قول (إن شاء الله) بعد تمام حديثه مع نفسه، تلك العبارة التي تبيّن توكّل الإنسان على الله سبحانه وتعالى في كلّ الاُمور والأحوال، فلم يرزق سوى ولد ميّت مشوه جيء به واُلقي على كرسي سليمان (ع). عندها غرق سليمان (ع) في تفكير عميق، وتألّم لكونه غفل عن الله لحظة واحدة واعتمد على قواه الذاتية، فتاب إلى الله وعاد إليه.
القرآن الكريم يكرّر الحديث بصورة مفصّلة حول قضيّة توبة سليمان التي وردت في آخر عبارة تضمّنتها الآية السابقة: (قال ربّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنّك أنت الوهّاب).
تم تشير الاية المباركة إلى طلب النبي سليمان (ع) من الله تعالى أن يهبه ملكا ليس له نظير وخارقا للعادة ليكون دليلا ومعجزة تثبت للمنكرين صدق نبوته و رسالته .
ترشدنا الايات إلى تعاليم منها :
- إن الابتلاءات الالهية هي سنة الهية تؤدي إلى صقل الروح و تقرب الانسان من الله تعالى فيما لو خرج منها الانسان مرفوع الرأس. فحتى الانبياء والأولياء لم يشذوا عن هذه السنة.
- إضافة إلى مسؤولية البعض من الانبياء في هداية الناس فقد حمل بعضهم أعباء إدارة البلاد والملك وهذا أمران لا يتعارضان أبدا.
والان ايها الاكارم نستمع إلى تلاوة الايات 36 حتى 38 من سورة صاد المباركة: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴿٣٦﴾
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿٣٧﴾
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٣٨﴾
تتناول هذه الايات قضية استجابة دعاء النبي سليمان (ع) حيث وهبه الله تعالى ملكاً يتميّز بإمتيازات خاصّة ونعم كبيرة، يمكن إيجازها في خمسة أقسام:أولا تسخير الرياح له بعنوان وسيلة سريعة للسير والتنقل لأنه من الطبيعي أنّ الملك الواسع الكبير يحتاج إلى واسطة اتّصال سريعة، كي يتمكّن صاحب ذلك الملك من تفقّد كلّ مناطق مملكته بسرعة في الأوقات الضرورية، وهذا الإمتياز منحه الباري عزّوجلّ لسليمان (ع).
النعمة الاُخرى التي أنعمها الباريء عزّوجلّ على عبده سليمان (ع) هي تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرّف سليمان (ع) لتنجز له بعض الأعمال التي يحتاجها فمجموعة منها كانت منشغلة في البرّ ببناء ما يحتاج إليه النبي سليمان من أبنية، واُخرى منشغلة بالغوص في البحر.النعمة الاُخرى التي أنعمها الباري عزّوجلّ على سليمان هي سيطرته على مجموعة من القوى التخريبيّة، لأنّ هناك من بين الشياطين من لا فائدة فيه، ولا سبيل أمام سليمان(ع) سوى تكبيلهم بالسلاسل، كي يبقى المجتمع في أمان من شرورهم.
نتعلم من هذه الايات :
- إن الجن يحملون العقل والمشاعر و بعض التخصصات. و عليه فإنه يمكن للبشر أن يستفيد من تلك تخصصات الجن .
- يلزم على ملك البلاد أن يستخدم القدارات والكفائات المتخصصة في تنفيذ المشاريع المهمة للبلاد .
- ينبغي الإشراف والسيطرة على عمل وحركة جميع الأفراد والمجاميع وإيقاف كل من تسول له نفسه الإخلال بالنظام المجتمعي .
بهذا وصلنا إلى ختام حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة ..