بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على خير الورى المصطفى محمد وعلى آله.
إخوة الإيمان متابعي برنامج نهج الحياة أهلاً بكم في هذه الحلقة من البرنامج وتفسير عدد آخر من آيات سورة القصص البينات نستهله بالآية التاسعة والخمسين منها:
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴿٥٩﴾
جاء في الآية السابقة لهذه الآية قوله عزوجل "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها" وفيه بيان لسنته تعالى في إهلاك أهل القرى بعد أن بطروا في معيشتها بأن أعرضوا عن الشكر، فجاءت هذه الآية لتؤكد أن سبب إهلاكهم هو انحرافهم عن الحق ولجوئهم الى الظلم بعد إتمام الحجة عليهم بالرسل عليهم السلام.
أفادتنا الآية:
- لا يعاقب الله عباده ولا يعدهم إلا بعد إتمام الحجة عليهم وذلك كما في الآية بإرسال رسول يتلو أو يقرأ عليهم آياته سبحانه وتعالى.
- تكذيب الأنبياء والرسل والتصدي للحق، لظلم عظيم يعاقب عليه لا في الحياة الآخرة فحسب، بل في الحياة الدنيا أيضاً.
والآن نستمع للآيتين الستين والحادية والستين من سورة القصص المباركة:
وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٦٠﴾
أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴿٦١﴾
ترد الآيتان على من لم يؤمن بالإله الواحد بذريعة حفظ الحياة الدنيا وما تعنيه الآيتان هو أن ما أعطيتم أيها الناس من النعم الدنيوية متاع وزينة زينت بها هذه الحياة الدنيا التي هي أقرب الحياتين منكم وهي بائدة فانية وما عند الله من ثوابه في الدار الآخرة المترتب على اتباع الهدى والإيمان بآيات الله خير وأبقى، فينبغي أن تؤثروه على متاع الدنيا وزينتها أفلا تعقلون؟!
فقوله تعالى "أفمن وعدناه وعداً حسناً" هو في صفوة ما تقدم ذكره وتعقيباً للفرق بين من أوتي نعيم الدنيا وبين من أوتي نعيم الآخرة وثواب الجنة ونعيمها جزاء على طاعة الله وقوله "فهو لاقيه" أي فهو واصل إليه ومدركه حتماً أما قوله "كمن متعناه متاع الحياة الدنيا" من المال وغيره "ثم هو يوم القيامة من المحضرين" للجزاء والعقاب وقيل من المحضرين في النار.
والمعنى: أيكون حال هذا كحال ذاك؟! أي لا يكون حالهما سواء أو متماثل لأن نعم الدنيا مشوبة ومعرضة للزوال والفناء ونعم الآخرة خالصة صافية دائمة لا تتكدر بالمشوب ولا تنتقص بالإنقضاء.
أفادتنا الآيتان:
- ما لنا من نعم دنيوية وأخروية فمن الله وعلينا الحذر كل الحذر من أن تحرمنا نعم الدنيا المحدودة الفانية من نعم الآخرة غير المحدودة والباقية أبداً فنكون من الخاسرين خسراناً عظيماً.
- علامة العاقل، عدم الغرق في الدنيا الفانية وعدم بيع الحياة الباقية بالحياة الفانية، فإننا مدعوون للتفكير بعاقبة أمورنا بدل الإنخداع بظواهر الحياة الدنيا وزخرفها.. لأن ما في الدنيا من متع وملذات قائمة مع الإغواء والهوى والهوس، يعقبها حضور مذل في الآخرة.
- لاتباع أسلوب المقارنة والبيان بصورة أسئلة توعوية أثره البالغ في تبليغ الدين وتربية النفوس وتهذيبها.
والآن نصغي وإياكم مستمعينا الأفاضل إخوة وأخوات للآيتين المباركتين الثانية والستين والثالثة والستين من سورة القصص:
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٦٢﴾
قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴿٦٣﴾
يقول سبحانه مشيراً لحال المشركين يوم القيامة "ويوم يناديهم" أي الكفار وهذا نداء توبيخ وتقريع وتبكيت "فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون" في الدنيا أنهم شركاء في الإلهية وتعبدونهم وتدعون أنهم ينفعونكم، وفي قوله "يناديهم" إشارة الى بعدهم عن الرحمة يومئذ ثم يقول "قال الذين حق عليهم القول" أي الذين حق عليهم الوعيد بالعذاب من الجن والشياطين والذين أغروا الخلق من الإنس "ربنا هؤلاء الذين أغوينا" أي اتباعهم "أغويناهم كما غوينا" أي أضللناهم عن الدين بدعائنا إليهم الى الضلال كما ضللنا نحن بأنفسنا "تبرأنا إليك" منهم ومن أفعالهم "ما كانوا إيانا يعبدون" أي لم يكونوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون الشياطين الذين زينوا لهم عبادتنا.
علمتنا الآيتان:
- عبادة غير الله من أشخاص أو أشياء وجعل أنداداً وشركاء له، ما هو إلا وهم وخيال لا يمت الى الحقيقة أو الواقع بصلة.
- من يدعو الناس لإله إلا الله يبتلى يوم القيامة بعذاب أليم.
- يسعى الضالون ومن أغرتهم الحياة الدنيا الى الإيقاع بغيرهم وإغوائهم وتضليلهم عن الحق والصراط المستقيم.
- يتبرأ أئمة الكفر والضلال يوم القيامة بعضهم من بعض، وهذا لا يجديهم نفعاً إذ يساق الجميع الى جحيم نار جهنم.
وهكذا مستمعينا الكرام وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، موعدنا معكم في حلقة جديدة إن شاء الله، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.