بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين وصل وسلم على النبي الخاتم وعلى آله الأطهرين.
إخوة الإيمان سلام من الله عليكم ورحمته.. وأهلاً بكم جميعاً في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وتفسير آي أخر من سورة القصص المباركة نستهله بالآية السادسة والخمسين:
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿٥٦﴾
سبق أن أشرنا لعدم تخلي كثير من المشركين من قريش عن عبادة الأصنام ولعدم قبولهم الإسلام عندما دعاهم الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله – إلا أن من المسيحيين ما إن استمعوا لما في القرآن من الآيات البينات حتى آمنوا بمحمد – ص – والإسلام رسولا ودينا، معلنين أنه ما بشر به السيد المسيح من قبل.
في ضوء ما تقدم وما بينته الآيات من حرمان مشركي قريش وهم قوم النبي صلى الله عليه وآله، نعمة الهداية وضلالهم باتباع الهوى واستكبارهم عن الحق النازل عليهم وإيمان أهل الكتاب به واعترافهم بالحق، ختم سبحانه بالتأكيد على أن أمر الهداية هو بيد الله عزوجل.
والمراد بالهداية هنا اللطف الذي يختار العبد بسببه الإيمان، فإنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فالهداية بمعنى الدعوة والبيان قد أضافها سبحانه الى النبي الأكرم في قوله: وإنك لتهدي الى صراط مستقيم.
أفهمتنا الآية:
- مهمة الأنبياء إبلاغ الناس الدعوة الإلهية لا إجبارهم فهم مخيرون في قبول هذه الدعوة أو رفضها.
- تنبثق إرادة الله ومشيئته سبحانه من علمه وحكمته، فإن الله تعالى يهدي بما تقتضيه حكمته من يشاء من عباده الراغبين حقاً في الإهتداء إليه عزوجل.
نستمع للآية السابعة والخمسين من سورة القصص المباركة:
وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾
تعني الآية، أهل مكة الذين آمنوا بأحقية القرآن والرسول وإن كانوا قد رفضوا الإفصاح عن ذلك صوناً لمصالحهم الشخصية والأسرية ومحافة أن تتخطفهم القبائل من أرضهم ولا طاقة لهم بمواجهتها، فقد جاء في رواية أسباب نزول الآية أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
"والذي نفسي يبده لأدعون الى هذا الأمر الأسود والأبيض ومن على رؤوس الجبال، وفي لجج البحار، ولأدعون أهل فارس والروم".
ولما سمع ذلك عتاة قريش استعظموه، وقالوا لرسول الله – ص – "كيف نتبعك وأنت على نيتك هذه ولو استجبنا لك لاجتمع الناس بمن فيهم فارس والروم وتظاهروا على إخراجنا من ديارنا وهدموا الكعبة حجراً حجراً".
فرد سبحانه قائلاً: "أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه حرمات كل شيء رزقاً من لدنا".
أي كيف تخافون يا أهل مكة وتخشون الناس والله سبحانه قد منع بلدكم ةهذا وصانه من القتل والسبي والنهب منذ يومه الأول، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليه فيحملون له من الثمرات والطيبات وختم عزوجل الآية بقوله: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي أن أكثر أهل مكة لا يعلمون أن الله خص بلدهم بهذه المنقبة دون غيرها.
ما تعلمناه من الآية:
- كم من الناس لا يؤمنون، طمعاً باللذائذ المادية أو المنافع الشخصية لا لعدم دركهم الحق.
- الأمن من فوق أي اعتبار، ففي ظل الأمن والإستقرار يزهو الإقتصاد وبالعمل والسعي والمثابرة تكتسب لقمة العيش وما يؤمن متطلبات الحياة.
والآن نبقي مع الآية الثامنة والخمسين من سورة القصص المباركة:
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴿٥٨﴾
تعقيباً لما تقدم، تقول الآية مخاطبة مشركي مكة: "وكم أهلكنا من قرية" أي من أهل قرية "بطرت معيشتها" بأن أعرضت عن الشكر وتكبرت، بمعنى: أعطيناهم المعيشة الواسعة فلم يعرفوا حق النعمة وكفروا فأهلكناهم وفي قوله عزوجل "فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا" إشارة الى ما يعرفونه هم عن ديار عاد وثمود وقوم لوط، أي صارت مساكنهم خاوية خالية من أهلها وهي قريبة من مكة كان أهل مكة يمرون بها في رحلاتهم للتجارة.
في الآية يرد سبحانه على قولهم: "إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا" أي أن مجرد عدم تخطف العرب لكم من أرضكم لا يضمن لكم البقاء ولا يحفظ لكم أرضكم والتنعم فيها كما تشاؤون، فكم من قرية بالغة في التنعم ذات أشر وبطر أهلكنا أهلنا وبقيت مساكنهم خالية غير مأهولة لا وارث لها إلا الله.
أفادتنا الآية:
- لا يضمن الثراء والرفاهية سعادة الإنسان، فكم كان الثراء والرفاهية وراء طغيان الإنسان وهلاكه.
- فيما تبقى من حضارات السلف، عبرة للناس وعظة، لذا فإن الإحتفاظ بآثار الأقوام الغابرة فيه دروس وعبر وضرورة ملحة للأجيال اللاحقة.
الدنيا فانية تمر على السحاب، فما نراه نحن إلا ظاهر المرفهين، علماً أن هؤلاء أيضاً يرحلون عن هذه الدنيا تاركين وراءهم ما لهم من مال أو درهم ودينار.
الى هنا أيها الإخوة والأخوات الكرام وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، موعدنا معكم في حلقة قادمة بعونه تعالى، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.