بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خير الأنام محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الكرام...
السلام عليكم أعزتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته...
أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة... آملين أن نصطحبكم في رحلة شيقة مع كتاب الله، نحاول فيها استجلاء آياته الشريفة بأسلوب سلس وميسير...
بدءاً، دعونا نستمع الى تلاوة للآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من سورة الشعراء:
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴿١٤﴾ قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ﴿١٥﴾
أشرنا في الحلقة السابقة، الى ان الله تعالى، كلف موسى بمهمة إنقاذ بني إسرائيل وتحريرهم من تسلط فرعون وقومه.
هنا نجد أن موسى، وقبل أن يخطو باتجاه أداء مهمته، يعرض بين ربه، قضية واجهته فيما مضى من حياته، معرباً عن الخشية من أن تشكل عقبة في طريق مهمته، وربما تهديداً له وتتلخص القضية في نصرة موسى لأحد المظلومين من بني إسرائيل، على عدوه الفرعوني الظالم، والتي انتهت بمقتل الفرعوني على يد موسى (ع).
ويأتي الرد الإلهي مطمأناً لموسى... وبلغة الخطاب أن يد فرعون أقصر من أن تنالك بسوء...، حاثاً موسى من جديد على اصطحاب أخيه هارون معه... والتحرك بكامل الثقة، لأن الله معهما، مطلع على ما يجري بينهما وبين فرعون... وسيكون عوناً لهما:
ونستفيد من الآيتين الكريمتين:
- ان أي خطوة نريد اتخاذها ضد العدو، يجب أن تكون محسوبة، تأخذ بنظر الإعتبار الظروف السابقة... وتقتبس من شركاء المسير، العون حتى يتاح لها بلوغ أهدافها المرجوة.
- قبل اتخاذ القرار المناسب، يجب التوكل على الله تعالى، فهو نصير للمؤمنين، حاضر في كل مكان، ومطلع على كل شيء...!
- عندما يستدعينا الموقف بيان الحق، فينبغي أن لا نستوحش طريق الحق لقلة سالكيه... ولا تأخذنا الرهبة لكثرة أعدائه...!
أما الآن، فدعونا نعود مرة أخرى الى القرآن الكريم، لنستمع الى تلاوة الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من سورة الشعراء:
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦﴾ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿١٧﴾
شخصت الآيتان الشريفتان بوضوح، مهمة موسى (ع)، محددتين اتجاه الخطوة الأولى بشخص فرعون، وليس الناس، قبل أن تنصا على طبيعة المهمة، أو مضمون الرسالة التي حملها موسى الى فرعون، مطالبة إياه بإخلاء سبيل بني إسرائيل، ليعودوا الى أرضهم وموطنهم...
ونلاحظ الإشارة التي تضمنتها الآيتان حول الدور الذي ينهض به الأنبياء، وجهادهم للجائرين من أجل تحرير الناس من تسلطهم...
وهكذا رأينا ان الله تعالى قد كلف موسى - وقبل أن يدعو الناس الى التوحيد وعبودية الله – بتحرير قومه من هيمنة الطاغوت، وأن يتقبل – في هذا السبيل – كل ما يواجهه من أخطار...!
وتعلمنا هاتان الآيتان الكريمتان:
- ان الأنبياء يتحركون في إطار الدعوة الى الحق، وإبلاغ رسالات ربهم، بحزم وصلابة ودقة.
- ان للكون خالق واحد ومدبر واحد... وكل من يدعي ان له نصيباً في ذلك وان كان بالغ الصغر، فينبغي ان يقال له: بل انت بشر ممن خلق.. خاضع راغم لحاكميته عزوجل.
أما الآن، فنصغي لتلاوة ثلاث آيات من سورة الشعراء، من الآية الثامنة عشرة، وحتى العشرين:
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴿١٨﴾
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿١٩﴾
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴿٢٠﴾
فرعون، الذي استمع لقول موسى (ع) حاول – وبدلا من لن يرد على ما عرضه عليه؛ إثارة أوراق من الماضي، بهدف إحراج موسى (ع) ودفعه الى موقف المدافع عن نفسه..!
وهو بذلك يشير الى قضيتين: الأولى: قضية انتشال آل فرعون له من الماء، ثم نشأته في بيت فرعون، على ما يحكي ذلك القرآن الكريم تفصيلاً في سورة القصص.
أجل.. ففي الوقت الذي كان فيه جنود فرعون يلاحقون بالقتل كل طفل يولد في بني إسرائيل، قضى الله تعالى أن ينشأ موسى في ظل فرعون نفسه...
أما القضية الثانية التي اكتفى منها فرعون بالإشارة: فهي قضية الفرعوني الذي قتله موسى، انتصاراً لرجل مظلوم من بني إسرائيل كما أوردنا ذلك في الحلقة السابقة من البرنامج...
إثارة هذه القضية بالذات، ربما كانت لغرض تشويه سمعة موسى وهز مكانته كرسول من قبل السماء، عبر تصويره كقاتل... ثم لا يستعبد أن تكون تلويحاً بالعصا الغليظة، وتهديداً بالإقتصاص، اذا ما أصر موسى على مواصلة طريقه...!
الا ان موسى (ع) الذي كان يقظا تجاه محاولة فرعون الرامية الى وضعه في موقف المذنب الباحث عن ادلة لبراءته؛ رد بنحو ذكي، مفوتاً على فرعون فرصة تحقيق غرضه... وكأنه يقول له: اذا كنت تتهمني بكفران النعمة، فأني آنذاك لم أكن في موقع المسؤولية الإلهية التي تتيح لي رؤية الأمور على حقيقتها.
ونستفيد من هذه الآيات الكريمة:
- إن المنة على الآخرين، لقاء عمل أو خدمة مقدمة، سمة الفراعنة والجاحدين لنعمة الله تعالى.
- ان خدمة الآخرين، لا تمنح تخويلاً لصاحب الخدمة، ليبسط سلطته عليهم... ولاينبغي له ان ينتظر منهم إحاطته بهالة من التقديس بذريعته قيامه بخدمتهم.
- الإرشاد الى عمل الخير والأمر بالمعروف، شيء لازم ومطلوب، حتى بالنسبة للوالدين واولئك الذين تولوا تربيتنا، أو رعايتنا طويلاً...!
- ان اولياء الله، الخالصين، لا يقعون تحت تأثير الظروف أو البيئة التي يعيشون فيها.. بل ينشأون في إحضان رعاية الله الخاصة... كما خاطب الله موسى، حاكياً عن الفترة التي قضايا الى جانب فرعون: "...ولتصنع على عيني".
الى هنا، نكون قد بلغنا نهاية هذه الحلقة...
حتى نلتقيكم ثانية، نستودعكم بحفظ الله ورعايته وأمانه.