بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والهادي الأمين سيد ولد آدم من الأولين والآخرين أبي القاسم محمد بن عبدالله وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
والسلام عليكم –حضرات المستمعين- وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة، لازلنا وإياكم في رحاب سورة مريم المباركة، حيث نتابع تفسير آيات أخرى من هذه السورة المكية الشريفة، والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين حيث يقول تعالى:
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴿٤٦﴾
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿٤٧﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج مر علينا أن من أشرف على تربية سيدنا إبراهيم عليه السلام هو عمه الذي أطلق عليه القرآن لفظ الأب مجازاً، وكان هذا العم مشركاً وكان ابراهيم عليه السلام قد دعى أباه للتوحيد وترك عبادة الأصنام إلا أن هذه الدعوة التوحيدية جوبهت بالرفض من العم الذي أصر على دينه، ومن جانب آخر هدد إبراهيم بالرجم إن هو لم يقلع عن دعوته.
سيدنا ابراهيم عليه السلام أوضح لعمه إنه لا يريد معه نزاعاً، إنما يدعوه إلى الوحدانية سلماً وطوعاً، وسلك إبراهيم عليه السلام وهو شيخ الأنبياء العظام سلك مسلكاً وضاءاً حينما أخبر عمه أنه سيدعو الله له بالرحمة والغفران.
والآن إلى الدروس المستقاة من هذا النص الشريف، حيث نجملها في النقاط الثلاث التالية:
- إن من لا منطق له يكون سبيله إلى التعامل مع الناس العنف، إن كلام الأنبياء والرسل الكرام قائم على المنطق والإستدلال وليس في شرع الله إجبار.
- إن أولياء الله أمام تهديدات الأعداء صابرون وهم يأملون على الدوام لطف الله ورحمته.
- عندما يشتعل غضب الآخرين علينا أن نطفئه بلين الحديث لا أن نعمل على تأجيج ناره.
ويقول تعالى في الآية الثامنة والأربعين من سورة مريم (س):
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴿٤٨﴾
وفي مقابل الخلق الرفيع من ابراهيم عليه السلام، كان تعامل العم معه تعاملاً سيئاً إذ وضعه على مفترق طريقين، إما أن يتركه ويرحل أو يستعد للموت والقتل على يد عمه المشرك، واختار ابراهيم عليه السلام أول الطريقين وقرر أن يترك عمه ويرحل متوكلاً على الله تعالى ومنيباً إليه.
وفي هذه الآية إرشاد للشباب المؤمن الذين يعيشون في أسر لا تتفيأ بأفياء الدين، على مثل هؤلاء الشباب أن يئسوا من إنارة مصابيح الهداية في أسرهم تركها، إذ في تركها ترك للكفر والشرك والهجرة الى الله العلي العظيم.
وما يستفاد من الآية التي تليت على مسامعكم:
- إن قطع الصلات هو آخر مراحل النهي عن المنكر لا أولها، فإذا لم يتمكن الإنسان من تغيير البيئة الفاسدة عليه أن يغادرها.
- إن الأنبياء عليهم السلام يأملون على الدوام رحمة الله ورضوانه وهو تعالى معهم وناصرهم لأنهم على الحق المبين.
والآن نصغي إلى تلاوة الآيتين التاسعة والأربعين والخمسين من سورة المباركة
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴿٤٩﴾
وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴿٥٠﴾
بعد أن اعتزل ابراهيم عليه السلام مجتمع الشرك واعتزل عمه توجهت إليه رحمة السماء ووهبه الله اسحاق ويعقوب عليهما السلام وكانا نبيين من أنبياء الله الصالحين.
لم يكن من أحد مع ابراهيم عليه السلام وهو يحارب الشرك وأهله ويدعو إلى التوحيد، ومع هذا وقف هذا النبي الكريم الموقف الشجاع أمام مؤامرات أعداء الله، وعلى المؤمن في كل زمان ومكان أن يتسم بالشجاعة في مواجهة أعداء الدين، وهذا أمير المؤمنين سلام الله عليه يقول: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة سالكيه".
وما نأخذ من دروس من النص القرآني الكريم هو:
- إن النسل الصالح للإنسان هو من الطاف الله تعالى عليه وقد رأينا أن ابراهيم (ع) كان نبياً وابنه اسحاق وحفيده يعقوب كانا نبيين عليهم الصلاة والسلام.
- إن من يترك غير الله ويتوجه إلى الخالق العظيم ينال رحمته ولطفه.
- إن حسن السمعة هو من نعم الله تعالى على الخلق الذين لهم الجدارة بهذه الصفة الرفيعة.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم على خط الأنبياء عليهم السلام في الدنيا والآخرة على هذا نموت ونحيى والسلام على عباد الله الصالحين.