بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين أبي القاسم محمد (ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على إخوة الإيمان في كل مكان وأهلاً بهم في هذه الحلقة من نهج الحياة، حيث نقدم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة الإسراء ونبدأ بالإنصات إلى تلاوة الآيتين الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين من هذه السورة الشريفة:
وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴿٧٤﴾
إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴿٧٥﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا مشركي مكة كانوا قد خططوا وحسب زعمهم الباطل لإضعاف عزيمة الرسول الخاتم (ص) وثنيه عن أداء مهمته في إيصال رسالة السماء إلى الناس.
ويأتي هذا النص الكريم ليبين أن الله تبارك وتعالى قد عصم نبيه وحفظه ورسالته من كيد الكائدين؛ نعم.. الواضح هنا أن هاتين الآيتين في مقام إثبات العصمة للرسول الأكرم وهي القوة القدسية التي يودعها الله من يشاء من عباده الذين يبعثهم للناس رسلاً وأنبياء مبشرين ومنذرين، وهما تنبهان الناس إلى شمولية العصمة في النبي الأكرم –صلى الله عليه وآله- وبأعلى درجاتها؛ كما هو واضح من استخدام النص القرآني لأسلوب الجمل الشرطية التي يستفاد منها عدم وقوع الركون من النبي الأكرم للمشركين ولو بأدنى مراتب الركون.
والمستفاد من نص الآيتين الكريمتين:
- أن الحزم أمام مكائد الأعداء هو من خصائص الأنبياء عليهم السلام والسائرين على نهجهم المبارك.
- إن التساهل والتسامح جائز بين المؤمنين، لكنه غير جائز مع الكفار وهذا معنى قوله تعالى في وصف المؤمنين: "أشداء على الكفار رحماء بينهم"
- إن على عاتق القادة الدينيين مسؤوليات جسام وإن زلت لهم قدم فلهم عقاب شديد، أشد من عقاب الآخرين الزالين، والمقصود هنا بالطبع القادة غير المعصومين.
ويقول تعالى في الآيتين السادسة والسبعين والسابعة والسبعين من سورة الإسراء:
وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٧٦﴾
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ﴿٧٧﴾
يحدثنا التاريخ أن من خطط مشركي مكة، كانت خطة إبعاد النبي الأكرم (ص) عن هذه المدينة إلى جهة بعيدة كي لا يتمكن الناس من الوصول إليه، وقد حبط عمل الكفار هذا إذ لم ينجحوا في إخراج رسول الله (ص) وكان الله تعالى لرسوله ناصراً ومؤازراً.
وقد اقتضت سنة الله تبارك وتعالى أن ينزل العذاب على اولئك الأقوام الذين عادوا رسالات الأنبياء عليهم السلام، والنصر كان على الدوام حليف السفراء الإلهيين والخيبة والخسران كانت لأعداء الدين.
ومن الواضح أن الذين حرموا أنفسهم من نعمة وجود الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم، لا نصيب لهم من رحمة الله تعالى؛ نعم.. إن عدم تغيير سنة الله تعالى دليل على ثبات القوانين الإلهية التي تناسب رغم ثباتها ظروف كل زمان ومكان، بينما القوانين غير الإلهية أو القوانين الوضعية هي في حال تغيير، وقد لا تناسب كل ظرف ومكان، من هنا بيدو سمو الشرائع السماوية على القوانين الأرضية، ومن أحسن حكماً من الله وهو احكم الحاكمين.
والآن نستمع إلى الدروس المستفادة من النص الشريف:
- إن أعداء الدين على الدوام يعملون في البداية على استمالة القادة الربانيين، لكن عندما يعجزون عن ذلك يلجأون الى طرق أخرى لتصفية اولئك القادة. وفي تاريخ الرسالة الإسلامية يبدو هذا الأمر واضحاً، فبعد أن فشلت قريش في استمالة رسول الله (ص) قررت اغتياله، وقد أنجاه الله تعالى من هذه المكيدة.
- إن وجود الرسول أو النبي عليه السلام بين الناس فيه نعمة كبيرة، إذ أن هذا الوجود المقدس يحول دون نزول العذاب الإلهي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- إن أحداث التاريخ الإنساني يمكن أن تفسر على أساس السنن الإلهية وهذه الأحداث في حد ذاتها دروس وعبر.
نسأل الله تباركت أسماؤه أن يجعلنا من أنصار دينه والذائدين عن حياض شرعه الأقدس، إنه تعالى أكرم مسؤول والسلام عليكم.