بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق وأشرف بريته سيدنا محمد بن عبد الله وآله آل الله؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير أيها الأكارم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة حيث نعرض تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة الإسراء.
ونبدأ بالآية الثامنة والستين حيث يقول تعالى شأنه:
أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ﴿٦٨﴾
أشارت الآيات السابقة إلى نعمة البحار وكيف أن الله تباركت أسماؤه سخر البحار للإنسان وكيف أنه تعالى ينجي الإنسان إذا ما ألمت به مصيبة وهو في عرض البحر.
لكن هذه الآية الكريمة تبين أن الأخطار لا تحيط الإنسان وهو في البحر فقط، بل أن الخطر قد يداهمه وهو على البر كأن تخسف الأرض به كما حصل لقارون أو تهب العواصف الرملية أو تسقط من السماء حجارة فتصيبه وتقتله.
نعم، في مثل هذه الحالات من الذي يستطيع إنقاذ الإنسان؟ لاريب أنه الله تبارك وتعالى لاغير.
والمستفاد من هذا النص الشريف:
- في أي مكان كان الإنسان فهو تحت سلطان الله تعالى فلا ينبغي عصيان الله، بل لابد من طاعته والتسليم لأمره جل شأنه.
- إن الشعور بالأمن من العقاب الإلهي يزيد من غفلة الإنسان.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية التاسعة والستين من سورة الإسراء المباركة:
أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴿٦٩﴾
تحذر هذه الآية الإنسان من الكفر بالنعم الإلهية وعدم شكر الباري تعالى، ويبين أن الله في إمكانه بعد أن ينجي الإنسان من الغرق ويوصله إلى ساحل النجاة، في إمكانه أن يغرقه.
أجل، إن غضب الله تعالى إذا جاء فإنه لايعرف الزمان والمكان، وإن كفران النعم له العقاب في هذه الدنيا فضلاً عن عقاب الآخرة.
ومن المستفاد من هذا النص:
- إن السلوكيات غير الصحيحة هي التي تسبب هلاك الإنسان، فالله تعالى بعباده رؤوف رحيم، لكن كفر الإنسان هو الذي يبدل نعم الله إلى نقم، فالبحر مثلاً من نعم الله إلا أنه قد يتحول إلى نقمة على الإنسان إذا لم يشكر هذه النعمة.
- إن الخطر محدق بالإنسان على الدوام وإذا ما نجى الإنسان من مهلكة فإن هذا لا يعني نجاته على الدوام.
ويقول تعالى في الآية السبعين من سورة الإسراء المباركةك
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴿٧٠﴾
إن هذه الآية كما هو واضح، تشير إلى أفضلية الإنسان على سائر مخلوقات الله تعالى.
نعم، الله تبارك وتعالى كرم بني آدم وسخر لهم الكون وما فيه، أي في إمكان الإنسان أن يستفيد مما في البر والبحر من إمكانات مادية لتوفير الرفاه لحياته الدنيوية، وهذا كله من فضل الله تعالى والله ذوالفضل العظيم.
والمقصود بالتكريم في قوله تعالى، ولقد كرمنا بني آدم، التكريم العام الذي يشمل أبناء البشر جميعاً، وفي وقابل هذا التكريم العام يوجد التكريم الخاص وهو من نصيب المؤمنين والطيبين والصالحين ينالونه بما كسبت أيديهم من إكمال الخير والإيمان وإتيان الحسنات.
وقد أوجز القرآن الكريم كل هذا بقوله؛ (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)؛ وبشكل عام لابد من القول هنا أن الإنسان ليس أفضل من الموجودات على الأرض فقط، بل له أفضلية ذاتية كذلك على ملائكة السماء.
نعم، أليست الملائكة سجدت لآدم عليه السلام وآدم هو أبو البشر؟ وأليس الله تعالى قد سخر الملائكة لخدمة الإنسان؟
لكن إذا ما خرج الإنسان من الخطيرة الإنسانية فإنه ليس له كرامة من بعد ذلك ويصير في المرتبة التي عبر عنها القرآن الكريم بمرتبة دون الأنعام.
والمستفاد من هذا النص الشريف:
- إن اهتمام الإنسان بمنزلته التي أنزلها إياه الله تعالى وكرامته يعد الأرضية والأجواء لشكر النعم الإلهية والإبتعاد عن الكفر والمعصية، وبالتالي درء النقمة عنه.
- لقد وفر الله تعالى للإنسان كل مستلزمات الوصول إلى الكمال سواء في ذاته وشخصيته أو في بيئته ومحيطه.
- إن من نعم الله على الإنسان وسائل النقل في البر والبحر.
نسأل الله تعالى حسن العاقبة لنا ولكم والسلام عليكم.