بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى اهل بيته الهداة المكرمين، والسلام عليكم مستمعينا الأعزاء أينما كنتم وأهلاً بكم في حلقة أخرى وجديدة من نهج الحياة وقد انهينا بعون الله تفيسر 55 آية من سورة الإسراء المباركة.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية السادسة والخمسين من هذه السورة حيث يقول تعالى شأنه:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾
إن من علائم الإيمان الحقيقي هو توكل الإنسان المؤمن على الله تعالى خاصة حينما تنزل به النوائب وتحل به الصعاب، وهذه الآية توضح لنا أن القدرة الحقيقية هي بيد الله تعالى وإنه ليس لغيره من سلطان فهو تعالى برحمته يدفع عن الإنسان الضرر لا تلك المعبودات الواهية.
والدروس المستقاة من هذا النص الشريف، يمكن إجمالها في النقطتين التاليتين:
- لابد من التوكل على الله وحده وأما عقد الأمل على الآخرين من دون الله كما يفعل الكفار والمشركون فهو وهم وخيال ليس إلا.
- إن الله تعالى هو القادر على إزالة الضرر عن الناس ولأولياء الله بإذنه ما شاء من هذه القدرة، ومن هنا يقول القرآن الكريم "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة".
والآن نصغي إلى تلاوة الآية السابعة والخمسين من سورة الإسراء المباركة:
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿٥٧﴾
على ما يبدو، فإن هذه الآية تشير إلى النصارى الذين يدعون أن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام هو ابن الله ويعبدونه ويرد الله تعالى على هذا الزعم الباطل من أن عيسى بن مريم عليهما السلام هو عبد من عباده وإنه يريد التقرب إليه تعالى.
وعيسى عليه السلام قد توكل على الله تعالى في كل شؤونه لأنه عبد صالح لله، فكيف للنصارى أن يتخذونه إلهاً، وهو الذي قال كما جاء في سورة مريم "قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً".
والمستفاد من الآية السابعة والخمسين من سورة الإسراء:
- هناك العديد من الطرق للتقرب من ذات القدس الربوبي وينبغي سلوك أقصرها وصولاً إلى مرضاته تعالى شأنه.
- إن الله تبارك وتعالى قد سبقت رحمته غضبه، ومن هنا على الإنسان أن يتأمل رحمة الله ويتوكل عليه في كل شؤونه.
ويقول تعالى في الآية الثامنة والخمسين من سورة الإسراء:
وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٥٨﴾
الواضح من العديد من آيات الذكر الحكيم أن هذه الدنيا فانية وأنه لابد أن يأتي اليوم الذي ينتهي فيه عمر الأرض والكون. وكما يبدو من النص الشريف فإن الأرض تفنى قبل قيام الساعة وفي بعض المناطق التي قد شاع فيها الفساد والفجور، ينزل العذاب الإلهي على أهلها قبل أن تقوم الساعة، ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد. وكل هذه الأحداث والتوقيتات مسجلة في علم الله تعالى وهو العلام العليم.
والذي يفيده إيانا النص الكريم:
- إن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء.
- إن انتهاء عمر الكون ليس من قبيل الصدفة العمياء، بل إنه على أساس التدبير والإرادة الإلهية، سبحانك ربنا رب العزة والجلال.
ويقول تعالى في الآية التاسعة والخمسين من سورة الإسراء الشريفة:
وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩﴾
كما جاء في العديد من آيات القرآن الكريم فإن كفار مكة ومشركيها قد طالبوا النبي (ص) بالمعجزات، وعلى سبيل المثال فقد طلبوا من الرسول الخاتم (ص) أن يبدل بعض جبال مكة إلى ذهب.
وفي هذه الآية يشير الباري إلى المعاندين لايؤمنون حتى وإن رأوا من الأنبياء (ع) المعجزات، وإذا كانت المعجزة بطلب من الناس، ومن بعد قيامها كذبوها، فإن العذاب الإلهي هو لهم المصير.
ويحدثنا تاريخ الأنبياء عليهم السلام عن سيدنا صالح عليه السلام الذي بعثه الله تعالى إلى قوم ثمود نبياً، وكان إن عقر قومه ناقته وهي من آيات الله تعالى ومعجزاته، فحل بهم العذاب، حتى أن البعض من الروايات تتحدث عن أن عاقر ناقة ثمود هو أشقى الأشقياء.
وأما ما نأخذه من هذا النص من دروس فهو:
- إن الله تعالى قادر على كل شيء، لكن أعماله على أساس حكمته لا على أساس ما يشتهي الناس ويريدون.
- إن إهانة المقدسات الدينية له عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة.
الله أن يمن علينا بفيض رحمته ويوفقنا لطاعته إنه أكرم مسؤول وخير مجيب والسلام خير ختام.