بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على الصادق الأمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته المكرمين، السلام على حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بهم في هذا اللقاء القرآني الجديد، وكنا قد بدأنا تفسير سورة الإسراء حيث خصصنا الحلقة الماضية لتفسير الآيتين الأولى والثانية من هذه السورة، والآن نستمع إلى تلاوة الآية الثالثة من سورة الإسراء:
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴿٣﴾
كما مر علينا فإن الآية الثانية من سورة الإسراء قد تحدثت عن إرسال النبي موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ونزول التوراة لهدايتهم.
وتأتي هذه الآية مخاطبة بني إسرائيل ليتبعوا التوراة وليشكروا الله على ما هداهم، وتوضح الآية أن نوح عليه السلام كان عبداً شكوراً، وفي الآية ما يومئ إلى أن أجداد بني إسرائيل كانوا من عباد الله الشاكرين، ولهذا أنجاهم الله تعالى مع سيدنا نوح عليه السلام من الطوفان حينما ركبوا معه في الفلك.
ومن اللافت الإشارة هنا إلى أن نوحاً عليه السلام عمّر أكثر من سائر الأنبياء (ع) وإنه قضى فترة أطول قياساً لسائر الأنبياء (ع) في الدعوة للتوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، وكم من الصعاب والمشاكل تحملها نوح عليه السلام في طريق الدعوة إلى الله تعالى إلا أنه كان عبداً صبوراً وكان عبداً شكوراً.
وما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن سبل تربية الأبناء تربية صحيحة هو توجيههم إلى طريق الأسلاف من خيار الأجداد.
- إن شكر الله تعالى في كل حال من الأحوال عند حلول النعم وحين نزول النقم أمر مطلوب، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الرابعة من سورة الإسراء المباركة:
وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴿٤﴾
بعد أن حث النص السابق بني إسرائيل على شكر الله تعالى، جاء هذا النص ليوضح أن بني إسرائيل وبدلاً من شكر الله أخدوا يفسدون في الأرض ويطغون ليكونوا أعلى من غيرهم، وفي العديد من آياته أشار القرآن الكريم إلى بعض من سيئات أعمال بني إسرائيل مثل قتلهم الأنبياء عليهم السلام وأكلهم الربا والرشوة وكتمان الحق، ألا ساء ما كانوا يفعلون.
وفي الآية التي نحن بصدد تفسيرها إشارة إلى نوعين من الفساد في الأرض على يد بني إسرائيل، وفي النص وردت كلمتا الفساد والعلوّ إلى جانب إحداهما الأخرى وفي هذا إشارة إلى أن الأنانية والتعالي هي أساس كل فساد في الأرض.
وفي القرآن الكريم جاءت هذه الآية [إن فرعون علا في الأرض] وفي آيات القرآن الكريم ما يوضح أن الله تعالى جعل الجنة مثوى للذين لايفسدون في الأرض ولايعلون.
والذي نتعلمه من هذه الآية:
- إن الفساد كان موجوداً في بني إسرائيل وإلى هذا الأمر أشارت التوراة كذلك.
- في بعض الأحيان نلاحظ أن المستضعفين إذا ما تخلصوا من الجور أصبحوا هم من المستكبرين، فبني إسرائيل أنجاهم موسى عليه السلام من جور فرعون بيدأنهم من بعد ذلك استعلوا في الأرض وصاروا من المستكبرين.
والآن لنصغي إلى تلاوة الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الإسراء، حيث يقول تعالى شأنه:
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴿٥﴾
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴿٦﴾
أخبرنا النص السابق عن فسادين لبني إسرائيل في الأرض، ويأتي هذا النص ليبين الله تعالى وعدان يعاقب بني إسرائيل على فسادهم في الأرض مرتين، ووعد الله حق ذلك أنه تعالى لا يخلف الميعاد.
وكما جاء في كتب التاريخ فإن الملك نبوخذنصر، وكان ملكاً قوياً كان يحكم في بابل قبل الميلاد بـ 600 عام؛ وبعد أن رأى نبوخذنصر العصيان وعدم الطاعة له من بني إسرائيل هاجم ديارهم فقتل منهم الكثيرين وجلب معه الكثيرين منهم أسرى، وهذا ما يعرف في التاريخ القديم بالسبي البابلي لليهود.
ويحدثنا التاريخ أن الملك البابلي نبوخذنصر قد استولى على بيت المقدس ودمرها، وحتى آخر يوم من حياة هذا الملك البابلي كان بني إسرائيل يعيشون الذلة والهوان بعد أن سيقوا إلى بلاد بابل أسارى ودار الزمان دورته، وكما يقال لكل زمان دولة ورجال؛ أجل.. الملك الإيراني كورش كان قد هاجم بلاد بابل وقضى على حكم نبوخذنصر وحرر بني إسرائيل من سطوة البابليين وسمح لهم بالعودة إلى ديارهم وإعادة إعمارها، وبعد أن استقر بنو إسرائيل في ديارهم استعادوا شيئاً فشيئاً قوتهم وازداد عددهم، ومن بعد مدة هاجم قيصر الروم بيت المقدس واستولى عليها وأمر القيصر بتدمير بيت المقدس وبيوت الناس هناك.
ومن الدروس التي نأخذها من هذا النص:
- على الطغاة أن يعلموا أن هناك من هو أطغى منهم وأنه آت ذلك اليوم الذي يدمر فيه بنيان الطغاة، وفيما مر على بني إسرائيل بعد أن طغوا الكثير من العبر والدروس.
- التوبة أمر حياتي ومهم في حياة الإنسان على مستوى الفرد والمجتمع، فمن يتوب إلى الله تعالى تناله من الباري مكرمة وفضلاً.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من التائبين الشاكرين، آمين يا رب العالمين.