بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وخير رسل رب العالمين مولانا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في لقاء قرآني جديد من نهج الحياة.
وكنا قد أنهينا تفسير 22 آية من سورة ابراهيم عليه السلام والآن نستمع الى تلاوة الآية الثالثة والعشرين من هذه السورة حيث يقول تباركت أسماؤه:
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴿٢٣﴾
في يوم القيامة وبعد أن ينتهي حساب الخلق، يساق الكافرون الى جهنم وبئس المصير ويصب عليهم العذاب جزاء ما اقترفوا من سيئات الأعمال والمعاصي والآثام في الدنيا.
أما المؤمنون فبكل احترام وتكريم يدخلون جنات النعيم تقديرا لما فعلوه من خير الأعمال وصالحها في الدنيا.
إن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت أن يبقى الكفار في النار والعذاب أبدا، وفي المقابل ينعم المؤمنون في جنات الفردوس خالدين. الى جانب الأنبياء والاولياء وحسن اولئك رفيقا.
وما نتعلمه من هذه الآية:
- إن تبادل التحية والسلام هو من أدب أهل الجنة وأراد الله للناس في الأرض التخلق بهذا الخلق الرفيع. ويقول تعالى: - وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها- والسلام من الناحية الشرعية أمر مستحب و رد السلام واجب كفائي وقد جسد أهل البيت عليهم السلام وهم خير سكان الأرض والسماء أفضل مصاديق رد التحية في حياتهم الشريفة.
- إن عمر الإنسان في الدنيا محدود وليس له خلود فيها لكن الله تعالى جعل الخلود في الآخرة للمؤمنين في الجنان والكافرين في النيران وما ربك بظلام للعبيد.
ويقول تعالى في الآيتين الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من سورة ابراهيم:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿٢٤﴾
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٢٥﴾
في هذا النص القرآني الشريف يشبه الله تبارك وتعالى الإيمان والعقيدة الحقة بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء والتي تأتي أكلها كل حين بإذن ربها.
مثل هذا الإيمان يطل بخيراته على الجميع، كما تورق الشجرة وتضفي الأفياء وتقدم من الثمار الشيء الكثير.
نعم أيها الأخوة والأخوات إن الإيمان وقياسا على سائر الأعمال شجرة تنمو ليس في الدنيا وحسب بل وفي الآخرة أيضا.
وما يستفاد من هذا النص:
- إن شجرة الإيمان مورقة ومثمرة على الدوام حيث لا خريف في عمرها بل هي ربيع القلوب دائما.
- إن كلام الحق ثابت على الدوام ذلك أن الحقيقة ثابتة وخالدة.
والآن نستمع الى تلاوة الآية السادسة العشرين من سورة ابراهيم:
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴿٢٦﴾
إذا كان الإيمان شجرة طيبة فإن الكفر في المقابل شجرة خبيثة؛ الإيمان شجرة قائمة مورقة أصلها ثابت والكفر شجرة خبيثة ما لها من قرار. الإيمان ثابت والكفر زائل لأن الأول حق والثاني باطل، والشجرة الخبيثة في هذا التعبير القرآني المبارك هي التي لا جذور لها وفي هذا التشبيه ظرافة ودقة وهي عدم ديمومة حياة الشجرة الخبيثة لعدم استقرار جذورها.
وقد تكون الشجرة الخبيثة أي الكفر مثل الحشائش التي تنمو من تلقاء نفسها فتحول دون إنبات الشجر الطيب.
والى ما نأخذه من إفادات من هذا النص الشريف فهي:
- إن من أساليب تربية وتعاليم الجيل الشاب في المجتمع أعمال التشبيه والتمثيل، كما لاحظنا في تشبيه الإيمان بالشجرة الطيبة والكفر بالشجرة الخبيثة وهي من أساليب البلاغة في لغة العرب التي بها نزل القرآن الكريم.
- إن الحق قائم والباطل زائل فلا داعي لأن يقلق المؤمنون.
ويقول تعالى في الآية السابعة والعشرين من سورة ابراهيم:
يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ ﴿٢٧﴾
بعد المقارنة بين الحق والباطل والإيمان والكفر، تأتي هذه الآية لتقول أن الله تعالى يثبت المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وإنه تعالى بعينه التي لا تنام يصون المؤمنين ويحفظهم من شر الكافرين وكيدهم ومكرهم. إنه جلت قدرته يحبط مؤامرات أعداء الدين ويرد كيدهم الى نحورهم والله تعالى يقول: - ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين- صدق الله العلي العظيم.
إن هذه هي سنة الله في خلقه إنه يعمل اقتضاء حكمته وهو تعالى فعال لما يريد، تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
والى الدروس المستقاة من هذا النص فهي:
- إن نصر الله أمر ضروري للمؤمنين، ذلك أن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله حيث إنه تعالى يحفظ الإنسان المؤمن من وساوس الشيطان الرجيم.
- إن السبيل التي يسلكها الإنسان في حياته هي التي تحدد رضى الله عنه أو غضبه عليه. فإن سلك الإنسان للحق سبيلا فاز برضى الله وعونه وإن اتخذ للضلال طريقا باء بغضب من الله وسخطه وذلك هو الخسران المبين ولا حول ولا قو إلا بالله العلي العظيم.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، نشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء والى اللقاء والسلام خير ختام.