بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير البرية وهاديها الى الحق المبين سيدنا ابي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الهداة الميامين. ثم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات وأهلا بكم في هذا اللقاء القرآني الجديد، ومتابعة لأحداث أخرى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام.
ونبدأ باستماع تلاوة للآية المائة من هذه السورة:
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن سيدنا يوسف عليه السلام قد خرج لاستقبال القافلة التي كانت قادمة من كنعان وكان فيها أبوه سيدنا يعقوب، وفي خارج المدينة جرت مراسيم استقبال رائعة إذ التقى الأب بابنه بعد فراق دام عديدا من السنين.
وتبين هذه الآية أن يوسف عليه السلام بعد أن اصطحب أهله الى القصر، أجلس أباه يعقوب عليه السلام وأمه الى العرش.
ويوضح القرآن الكريم أن يعقوب عليه السلام وزوجته وأبنائه قد سجدوا لله شكرا على النعمة العظيمة التي هباهم إياه، حيث الوصال بعد الفراق والتلاقي بعد التنائي وحيث أن يوسف عليه السلام قد صانه الرب الجليل طيلة هذه المدة من كل مكروه وأوصله الى عزيز المقام ومقام العزيز.
الجميع سجدوا لله المتعال أمام يوسف عليه السلام سجدة الشكر وهنا قال يوسف عليه السلام لأبيه يعقوب عليه السلام؛ هذا هو تفسير الرؤيا التي كنت قد رأيتها أيام الصبا حيث رأى عليه السلام الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا رآهم له ساجدين. يعقوب عليه السلام الشمس وزوجته القمر وإخوة يوسف الكواكب وإن ذلك لمنتهى العزة، والعزة لله وحده يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير.
وحسبما يبدو من نص الآية أن يوسف عليه السلام تحدث كما جر له من أحداث وكيفية وقوعه في السجن والإفراج عنه من بعد ذلك، بيد أنه لم يتحدث أمام أسرته عن وقوعه في غيابة الجب ومن بعد ذلك بيعه في سوق النخاسة غلاما.
إنه اعتبر كل ما حدث من ألطاف الباري تعالى. وحال خلقة الرفيع دون أن يحدث بما تعامل معه إخوته لئلا يحرج الأخوة المذنبين.
إن يوسف عليه السلام كان يرى أن عمل إخوته هو من وسوسة الشيطان الرجيم الذي أثار الضغائن في نفوسهم وأوقد نار الحقد والحسد في قلوبهم.
والآن الى الدروس المستقاة من هذا النص وهي:
- في أي مقام ومنزلة كان الإنسان عليه أن يحترم والديه ويكرمهما.
- صحيح أن الإنسان ذو إرادة واختيار في أعماله بيد أن المحسنات مصدرها الله والسيئات مصدرها الشيطان.
- في التعامل مع السيئين الينا لابد من الخلق الرفيع ومواجة الإساءة بالإحسان، ونزع أغلال الحقد والكراهية عن القلوب التي هي في الأصل قلوب وادعة.
والآن الى الآية الحادية بعد المائة من سورة يوسف:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿١٠١﴾
يشير القرآن الكريم الى نوعين من الحكم في مصر؛ النوع الأول هو الحكم الطاغوتي والنوع الثاني هو الحكم الإلهي.
إن فرعون كان يرى أن الحكم له وحده، وأن الناس كلهم له خول وعبيد.
وفي المقابل يمثل سيدنا يوسف عليه السلام نموذج الحاكم الإلهي الذي يرى أن الحكم لله وحده وإن كل ما كان ليوسف من مكفة واقتدار هو من فضل الله القادر المتعال.
إن هذا النص الشريف يوضح لنا يوسف عليه السلام كان مقرا بالعبودية لله تعالى وإنه تباركت أسماؤه مولاه.وطلب من الباري أن يموت مسلما وأن يحشر مع الصالحين والأخيار وحسن اولئك رفيقا.
إن كلام يوسف عليه السلام هنا الذي جاء في قالب الدعاء والمناجاة يدل على أن يوسف عليه السلام كان مؤمنا غاية الإيمان وانه في كل الأمور يتوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
إن يوسف عليه السلام وهو في اوج قدرته وبين أهله وأحبته لم يغفل طرفة عين أبدا عن ذكر الله وهذا هو خلق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. أما الذين نسوا الله تعالى فإنه ينسيهم انفسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وما يمكن ان نستفيده من هذه الآية فهو:
- إن حسن العاقبة هو الغاية القصوى للإنسان، ذلك أن الدنيا زائلة والآخرة خير وأبقى ولابد من طلب العون من الله القدير على حفظ ديننا وسلامة ايماننا.
- إن السلطة والاقتدار قد تجران الانسان الى الظلم والطغيان، لكن رحمة الله واسعة، فعلى الإنسان وهو في دست الحكم أن لايغفل عن ربه لينال رحمته. ثم أنه تعالى يعطي الملك من يشاء وهو على كل شيء قدير. فما جدوى الغرور في السلطة وأمرها بيد الله؟
- على الحاكم أن يرى الله ناظرا على أموره في كل الأحوال فلا يجحف بحق الرعية فينال العقاب.
نسأل الله تباركت أسماؤه أن يثبتنا على ديننا ويجعل عاقبة أمورنا الى خير.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.