ويتوجه الايرانيون للمشاركة في عملية الاقتراع للمرة السابعة والثلاثين خلال اربعة عقود. وهو معدل مهم جدا، لاسيما فيما يتعلق بحق الايراني بالادلاء بصوته وابداء رايه في اختيار ممثليه، اضافة الى واجبه في اختيار المنظومة الحاكمة التي تقود البلاد على المستوى التنفيذي والتشريعي.
وليس صعبا للمتابع للشان الايراني ان يدرك حجم ادراك الشارع لهذه المسؤولية. فالايرانيون يعلمون اهمية حقهم في المطالبة بالتغيير او التاييد من خلال صناديق الاقتراع. وليس صعبا ايضا ملاحظة ان الايرانيين لجأوا اكثر من مرة الى الانتخابات لطرح افكارهم ورايهم في المرحلة المقبلة في البلاد، ونجحوا في مناسبات عدة في فرض رؤيتهم التي يكفلها لهم الدستور والقانون.
خارجيا لم ينتبه عرابو نظرية الشيطنة التي استهدفت ايران من دول غربية واقليمية الى ان الرد الاهم والاوضح كان يأتي من قبل الايرانيين انفسهم عبر صناديق الاقتراع. وبالعودة قليلا الى انتخابات عام 2017، كانت قد بدات الهجمة الشرسة التي شنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي كان تسلم منصبه قبل خمسة اشهر من الانتخابات الرئاسية الايرانية، والحملة هذه كانت امتدادا لحرب اعلامية وسياسية واقتصادية تشن على ايران منذ انتصار الثورة الاسلامية.
كانت عملية تشويه الصورة والشيطنة في اوجها من قبل الغرب وحلفائه الاقليميين، وكان الاعلام الغربي والاقليمي يعمل بقوة لتشويه صورة طهران، لكن بعد عملية التصويت في التاسع عشر من ايار مايو ذلك العام، كان الرد القوي والحاسم من قبل الايرانيين بعد ان بلغت نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية اكثر من 73%.
البعد الاخر للعامل الخارجي، يتمثل في التجربة الايرانية مقارنة بدول اخرى في المنطقة. وبالمقاييس القانونية والدستورية والديمقراطية والشرعية الشعبية، يتفق الجميع على ان هناك فرق شاسع بين دولة اجرت 37 عملية اقتراع في اربعة عقود وانتخبت عشرة برلمانات وسبعة رؤساء للجمهورية (اضافة للانتخابات المحلية)، وبين دول اقليمية بارزة اجريت اول انتخابات فيها عام 2005، وكانت انتخابات مجالس محلية وما شابهها، فيما تغيب عنها اي انتخابات على مستوى البرلمانات والرؤساء. وهذا يكفي لتبيان طبيعة التجربة التي عاشتها وتعيشها ايران على مستوى العملية الانتخابية منذ اربعة عقود.
اضافة لكل ذلك، تجدر الاشارة الى بعد مهم، هو طبيعة العملية الانتخابية او بمعنى اخر جديتها وتاثيرها. وهنا يمكن ذكر نقطة محددة.
حين يعول المسؤولون في بلد ما على اصوات الناخبين فهذا يعني ان هذه الاصوات هي من يقرر مصير هؤلاء المسؤولين. اما في الدول التي يكون فيها التعاطي بين المسؤولين والناخبين استهلاكا اعلاميا (او لرفع العتب كما يقال) فلا نرى اي تاثير لاصوات الناس.
وفي الحالة الايرانية يمكن ملاحظة الاهتمام الكبير من قبل المسؤولين بالانتخابات وباصوات الناخبين كما يمكن رؤية التاثير المهم للناخبين (بمختلف انتماءاتهم وخلفياتهم) من خلال تمسك الناس بحقهم الانتخابي لادراكهم انهم يستطيعون التاثير والتغيير وايصال صوتهم ومطالبهم.
وهنا يفرض سؤال نفسه... اذا ما نظرنا الى دول اخرى هل سنرى اهتماما من المسؤولين باصوات الناس ومطالبهم وتطلعاتهم؟ وهل يُعْطَى الناس الفرصة لادراك حجم واهمية وتاثير صوتهم في صناديق الاقتراع؟ الجواب سيُبَيِّن الفارق بين التجربتين... وبكل سهولة وموضوعية.