البث المباشر

تفسير موجز للآيات 33 الى 36 من سورة الانعام

الأحد 2 فبراير 2020 - 13:59 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 195

بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ لك الحمد حمد الشاكرين، وصلّ وسلم على حبيبك وخيرة خلقك المصطفى النبي الخاتم محمّد وعلى آله الطاهرين.

إخوة الإيمان في كل مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع وإياكم تفسير سورة الأنعام المباركة.

فنصغي أولاً لهذه التلاوة العطرة للآيتين ثلاث وثلاثين وأربع وثلاثين من السورة:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون. ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين.

 

كان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم- يدعو المشركين بالحوار المنطقي المفتوح- لاتباع الحق وما فيه خير الدّنيا والآخرة- لكنهم لتعنتهم وعنادهم كانوا لا يرفضون ذلك فحسب بل يتهّمون النبيّ ويهينونه صلى الله عليه وآله أيضاً الامر الذي أحزنه عند ذاك سلى الخالق سبحانه وتعالى نبيّه على تكذيبهم إياه بعد إقامة الحجّة عليهم فقال (قد نعلم) نحن يا محمد (إنه ليحزنك الذي يقولون) إنك شاعر أو مجنون واشباه ذلك (فانهم لا يكذبونك) معناه أولاً: لا يكذبونك بقلوبهم إعتقاداً وإن كانوا يظهرون بأفواههم التكذيب عناداً، ثانياً: أنهم يعلمون أنك رسول الله ولكن يجحدون بعد المعرفة، ثالثاً: لا يكذبونك بحجّة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان. ويدلّ على ذلك ماروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام إنه كان يقرأ لا يكذبونك ويقول إن المراد بها إنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك، رابعاً: إن المراد لا يكذبونك كاذباً فانهم لا ينسبونك إليى الكذب فيما أتيت به لأنك كنت عندهم أميناً صدوقاً وإنما يدفعون ما أتيت به ويقصدون التكذيب بآيات الله ويقوي هذا الوجه قوله تعالى ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون، خامساً: إنّ المراد انهم لا يكذبونك بل يكذبونني فإن تكذيبك راجع إلي ولست مختصاً به لأنك رسول الله فمن ردّ عليك فقد رد عليّ ومن كذبك فقد كذبني وذلك تسلية منه سبحانه للنبي صلى الله عليه وآله وقوله (ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون)، أي: بالقرآن والمعجزات يجحدون بغير حجة سفهاً وجهلاً وعناداً ودخلت الباء في بآيات الله والجحد يتعدّى بغير الجار والمجرور لأنّ معناه هنا التكذيب، أي: يكذبون بآيات الله، وقيل: الباء تتعلق بالظالمين. والمعنى ولكنّ الظالمين بردّ آيات الله أو إنكار آيات الله يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك.

ثم زاد سبحانه في تسلية نبيه صلى الله عليه وآله بقوله: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا) أي: صبروا على ما نال الرسل من المشركين من التكذيب والأذى في أداء الرسالة (حتى أتاهم نصرنا) إيّاهم على المكذبين وهذا أمر منه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله بالصبر على كفار قومه إلى أن يأتيه النصر كما صبرت الأنبياء (ولا مبدّل لكلمات الله)، معناه: لا أحد يقدر على تكذيب خبر الله على الحقيقة ولا على إخلاف وعده وان ما أخبر الله به أن يفعل بالكفار فلابدّ من كونه لا محالة وما وعدك به من نصره فلابدّ من حصوله لأنه لا يجوز الكذب في إخباره ولا الخلف في وعده... وكلمات الله هي الآيات التي وعد فيها نصر الأنبياء (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) أي: خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ونصرناهم على قومهم. (من) ههنا كما قيل صلة مزيدة. وقيل أيضاً لا يجوز ذلك لأن (من) لا تزاد في الإيجاب وإنما تزاد في النفي و(من) هنا للتبعيض وفاعل جاء مضمر يدل المذكور عليه وتقديره ولقد جاءك من نبأ المرسلين نبأ... فيكون المعنى إنه أخبره عليه وآله السلام ببعض أخبارهم على حسب ما علم من المصالح.

نفهم من الآيتين:

لا يضر انكار الحق وتكذيب آيات الله إلا المكذبين لحرمانهم من معطيات الحق وكلام الله المجيد وخيرهما الوافر.

طريق الحق- وعرة وغير سالكة- وان ما جاء به الانبياء والرسل لم يتحقق الا بتحمل الصعاب وشق الأنفس.

على رسل السّماء- عدم توخي قبول الناس- بما يقولونه والإنصياع لما جاؤوابه.

 

والآن مع الآية خمس وثلاثين من سورة الأنعام المباركة:

 

وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولوشاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين.

 

ثمّ بين سبحانه أن هؤلاء الكفار لا يؤمنون، فقال مخاطباً لنبيه عليه وآله السلام (وإن كان كبر)، أي: عظم واشتدّ (عليك إعراضهم) وإنصرافهم عن الإيمان وقبول دينك وامتناعهم من إتباعك وتصديقك (فإن استطعت ان تبتغي)، أي: قدرت ونهيّأ لك أن تطلب وتتخذ (نفقاً في الارض)، أي: سرباً ومسكناً في جوف الارض (أو سلماً في السّماء)، أي: مصعداً ودرجاً (فتأتيهم بآية)، أي: حجة تلجئهم إلى الإيمان وتجمعهم على ترك الكفر فافعل ذلك. وقيل فتأتيهم بآية أفضل ممّا آتيناهم به فافعل.

يريد لا آية أفضل وأظهر من ذلك (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) بالإلجاء وإنما أخبر سبحانه عن كمال قدرته وأنه لوشاء لألجأهم إلى الإيمان ولم يفعل ذلك لأنه ينافي التكليف ويسقط إستحقاق الثواب الذي هو الفرض بالتكليف.

(فلا تكوننّ من الجاهلين)، أي: فلا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم. وقيل: إن هذا نفي للجهل عنه.

أي: لا تكن جاهلاً بعد أن أتاك العلم بأحوالهم وانهم لا يؤمنون.

تعلمنا الآية:

لقد وفر الله سبل الهداية رغبة منه جل وعلا في هداية الناس جميعاً- الا أنه شاء ان يخير الإنسان ويجعله حراً في قبول هذه الهداية طوعاً.

إرضاء رغبات المعاندين عمل الجاهلين الذين لا ينصاعون للحق ولا يستجيبون له في كل الظروف والاحوال.

نستمع الآن لهذه الآية العطرة من سورة الأنعام، رقم الآية ست وثلاثون:

إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون.

ثم بيّن سبحانه الوجه الذي لأجله لا يجتمع هؤلاء الكفار على الإيمان، فقال: (إنما يستجيب الذين يسمعون)، أي: من يسمع يا محمد كلامك ويصغي إليك وإلى ما تقرؤه عليه من القرآن ويتفكر في آياتك فإن من لم يتفكر ولم يستدل بالآيات بمنزلة الاطرش أو من به صمم. (والموتى يبعثهم الله) يريد ان الذين لا يصغون اليك من هؤلاء الكفار ولا يتدبرون فيما تقرؤه عليهم وتبينه لهم من الآيات والحجج بمنزلة الموتى فكما أيست أن تسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله فكذلك فآيس من هؤلاء أن يستجيبوا لك.

وتقديره إنما يستجيب المؤمن السامع للحق فأما الكافر فهو بمنزلة الميت فلا يجيب إلى أن يبعثه الله يوم القيامة فيلجئه إلى الايمان. وقيل، معناه انما يستجيب من كان قلبه حيّاً فأما من كان قلبه ميتاً فلا. ثم وصف سبحانه الموتى بأنه يبعثهم ويحكم فيهم (ثم اليه)، أي: إلى حكمه (يرجعون) وقيل معناه يبعثم الله من القبور ثم يرجعون إلى موقف الحساب.

تفهمنا الآية:

الكافرون العنيدهم- إنماهم اموات وان يبدون أحياء- وان الموت وحده هو الذي يحييهم ويعيدهم إلى رشدهم وعقلهم.

قيمة الانسان بحياته المعنوية والروحية، الحياة لا تعني الاكل والشرب والحركة والنوم فحسب فالحيوانات أيضاً تقوم بذلك.

اننا مسئولون عن أنفسنا في قبول الحق- اما الكافرون الرافضون للحق فأمرهم إلى الله ولسنا ملزمين باجبارهم على قبول الحق.

 

وهكذا إخوة الايمان أنهينا حلقة اليوم، على أمل اللقاء بكم مرة اخرى نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة