فقد ادّعى المطران عودة خلال ترؤسه قداساً وجنازاً لمناسبة الذكرى السنوية الرابعة عشرة للنائب جبران تويني في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وسط بيروت: "لبنان اليوم محكومة من شخص، كلكم تعلمونه وهو يعلم ما لا تعلمون ويحتمي بسلاح مجموعة تدعمه".
الردود على المطران عودة جاءت بالجملة، بين رسمية وشعبية، انطلقت من بيروت ولم تنتهِ في فلسطين المحتلّة.
أولى الردود صدرت عن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي أكّد أنّه كلام غير بريئ، قائلاً: "هناك من يطلع ليقول البلد يحكم من رجل واحد وبقوة السلاح مع احترامنا لهذا الرجل وحكمته ولانه حكيم فهو لا يسمح لنفسه بحكم البلاد وفيها عقول ومكونات أخرى، لكن هذا الكلام يصدر عن من يحاول ان يجهّل الاسباب الحقيقية للازمة ويحاول ان يعطي ويبرر استهداف المقاومة في لبنان وهذا الكلام ليس بريئاً ومن يقوله ليس بريئاً".
من جهته، ردّ وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، الياس بوصعب، على المطران عودة، من دون أن يسميه، بالقول: "مؤسف ما سمعناه اليوم من كلام سياسي غير جامع وتخطّى المطالب الاجتماعية للمواطنين، فزاد اقتناعنا بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة مدنية، فيكون هناك فصل للدين عن الدولة".
لم تتوقّف الردود عند الحدود اللبنانية، فقد جاء الردّ من فلسطين المحتلّة، ومن الكنيسة التي ينتمي إليها المطران عودة، إذ أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس عطا الله حنا، أنه كان لحزب الله دور في الدفاع عن الحضور المسيحي في سوريا وأكثر من موقع في المشرق. وفي حين رفض المطرام حنا التطاول على مقام السيد حسن نصر الله والحزب، موضحاً أكّد أن استعمال منبر الكنيسة للتطاول على حزب لبناني مرموق موقف مرفوض ولا يمثلنا كمسيحيين أرثوذكس.
لا شكّ أن كلام المطران عودة في هذه المرحلة الدقيقة يساهم في تسعير النيران اللبنانية، وربّما جرّها إلى حرب أهلية، وهنا نشير إلى التالي:
أوًلاً: يدرك المطران عودة حقّ المعرفة أن حزب الله لم يستخدم هذا السلاح في الداخل اللبناني، بل ساهم هذا السلاح في حماية لبنان من الكيانين الإسرائيلي والتكفيري. هذا السلاح هو الذي حما الكثير من المسيحيين، كما المسلمين، في لبنان وسوريا من بطش الإرهاب. فلماذا هذا الاستهداف في ظل هذه الظروف، وبما أنّه لا حسابات داخلية بين المطران عودة وحزب الله، فهل هو مرتبط بأجندات خارجيّة أو سوء تقدير سياسي؟
ثانياً: في زيارته التي أجراها إلى لبنان قبل أشهر، خصّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “صديقه الرائع” على حدّ قوله، المطران عودة بزيارة في مقر المطرانية في الأشرفية. وضع البعض هذه الزيارة حينها في إطار العلاقات الشخصية، ولكن هنا من حقّنا نسأل: ألا تكشف عشرات الكتب الأمريكية عن طرق استفادة واشنطن من العلاقات الشخصية والدينية لتمرير مشاريعها السياسيّة؟ ندعو المطران عود الذي تساءل في خطبته عن الثقافة أن يطالع مثل هذه الكتب الثقافية أيضاً.
ثالثاً: سئل المطران عودة: "أين الثقافة؟ أين العلم؟ أين المستوى اللبناني الّذي نفتخر به؟ شخص لا نعرف ماذا يَعرف، يحكم بنا". وهنا نجيب أن ثقافة المقاومة التي نجح حزب الله في تقديم أبهى صورها باتت نموذجاً يحتذى به في لبنان والعالم العربي. وأما بالنسبة للعلم، فقد اعترف الكيان الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن بالعقول العلمية لهذه المقاومة التي نجحت في هزيمة ومواجهة العقول الأمريكية والإسرائيلية. وأما المستوى اللبناني، فبالفعل ما فعله هذا الحزب اللبناني بسلاحه عجزت عنه كافة الجبوش العربية.
ندعو المطران عودة للاطلاع على الاحصاءات التي تخص بيئة هذه المقاومة، ليعرف حقّ المعرفة المستوى الثقافي والعلمي لهذه البيئة، عندها سيعرف جيداً أن هذا المستوى اللبناني مدعاة للفخر أم لا.
رابعاً: وسائل التواصل كانت منبراً واسعاً للرد على كلام المطران، وفي حين كتب أحدهم أن "حزب اللّٰه ملتزم بوثيقة مار مخايل مع أكبر حزب مسيحي في لبنان، وفي سوريا فلتسمع لآراء بعض رعيّتك"، نشر البعض الآخر مقطع فيديو للشهيد القائد مصطفى بدر الدين في زيارة لدير للراهبات في معلولا بعد تحريرها من داعش، فهذا السلاح هو الذي دافع عن الكنيسة في سوريا، ولو لم يفعل ذلك، لم يكن التكفيريون ليسمحوا للمطران عودة بالبقاء في بيروت.
أبرز هذه الردود جاءت على لسان النائب اللبناني اللواء جميل السيد عبر حسابه على تويتر قائلاً: "المطران عودة: هذا البلد يُحكم من شخص تعرفونه جميعًا، ولا أحد يتفوّه بكلمة، ويُحكم من جماعة تحتمي بالسلاح! لو قال: هذا البلد كان سيُحكم من شخص تعرفونه جميعاً، أبو بكر البغدادي وجماعة داعش، ولولا المقاومة لما بقِيَ مِنّا أحد"! لكان أرضى الله والحقيقة ومسيحيي ومسلمي لبنان وسوريا".
في الختام، لا يخلو كلام المطران عودة من أمرين إما سوء تقدير سياسي أو كلام مشبوه، وأما دينياً، فلو اختلف المطران عودة مع سلاح المقاومة، للأسباب التي يريدها، فإن الواجب الديني والأخلاقي يفرض على رجل الدين المساهمة في إطفائه، سواء أكان مطراناً أم شيخاً، لا أن يزيد النار تسعيراً، أي إن هذا المطران لم يراعِ الزيّ الديني الذي يرتديه، ولا الكنيسة ومبادئها، فهل نضع كلامه في خائنة الشبهة؟ ألا يعدّ كلامه استهدافاً للمسيحيين قبل حزب الله؟