خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة آيات نور الدين الأخصائية في علم النفس الإجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائنا المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نلتقيكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع حيث سنتناول في حلقة اليوم موضوعاً كثيراً ما تسبب في ازمات نفسية وعصبية وفكرية أثرت في ذات الوقت على طبيعة العلاقات الإجتماعية بين الأشخاص الذين يعانون من المشكلة التي سنتحدث عنها في حلقة اليوم.
أعزائنا المستمعين موضوعنا لهذا اليوم هو التأخر في الزواج لأسباب قاهرة ولما لهذا الموضوع من إنعكاسات عديدة ومشاكل نفسية كثيرة سوف نتوجه بعد ان نستمع الى القصة الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة آيات نور الدين الأخصائية في علم النفس الإجتماعي من بيروت لتسليط الضوء ومناقشة الأمر من الناحية الشرعية وما يراه الدين الإسلامي في هكذا حالات وينصح به ومن الناحية الإجتماعية وماحذر منه المختصون ومن إنعكاساته ومخاطره وماهي الحلول لذلك؟ فكونوا معنا
أحبتي ايمان شابة أكملت الأربعين عاماً من عمرها، تعيش هي ووالدتها فقط في بين متواضع. لم تحظى وكما يُقال بقسمة الزواج لذا فقد تسبب هذا الأمر في عزلتها وإبتعادها عن أقرب الأقربين لها حتى أمها فمنذ حوالي عشرين عاماً تعرض والدها الى حادث مؤسف وعندما إصطدمت سيارتهما مع سيارة اخرى، توفي على إثرها الأب وبينما بقيت الأم على قيد الحياة إلا أن بقاءها كان يسبب كل يوم ألماً شديداً لها وحزناً عميقاً بات ينمو ويكبر في داخلها فقد خلّفت تلك الحادثة امرأة معوقة لاتقوى على الحركة بتاتاً لهذا السبب كانت ايمان هي المسؤولة عن إعالة أمها في كل شؤون حياتها. اعزائي المستمعين كانت ايمان في البداية ترفض الزواج بمن كان يتقدم لها رغم أنه كان لم يتجاوز حينذاك عدد أصابع اليد الواحدة وحجتها أنها لم تكن ترغب بالإنشغال عن رعاية والدتها والإهتمام بها وعندما كانت تعلم أمها بالأمر كانت تلومها حباً بها لكن ايمان ظلت صامدة في موقفها وقرارها لما تكنّه من حب لأمها.
مرت اكثر من عشر سنوات وايمان قد تجاوز عمرها الثلاثين عاماً وبدأت تشعر شيئاً فشيئاً باليأس من أنها ستتزوج في يوم وإنقلب الأمر في هذه الحالة وراحت تبحث هي عن الزواج أي بإنتظار مَن يطرق بابها.
أحبتي المستمعين بعد أن أدركت ايمان صعوبة موقفها في الزواج أخذت حياتها تنحو منحى آخر فصارت تبتعد عن زميلاتها الواحدة تلو الأخرى خصوصاً عندما تعلم أن فلانة او فلانة قد تزوجت فلم تلبي على سبيل المثال دعواتهن لها لمناسبة الزواج او لأي مناسبة أخرى بمعنى أن المعاناة النفسية بدأت تظهر على ايمان وبدأت في نفس الوقت تنعكس على طبيعة علاقاتها مع زميلاتها ومع كل من له صلة بها فمرض أمها وعواقها باتا يمثلان مشكلة كبيرة وعقبة كبيرة لمن يفكر بالزواج بها خاصة وأن أحد شروط زواجها هو أن تظل أمها بجانبها لتهتم بها وترعاها بإستمرار فآخر رجل طرق بابها كان في الخامسة والأربعين من العمر، متزوج سابقاً وله بنتان إلا أنه لما عرف بأمر والدتها تراجع ولم يطلب يدها وهذا بطبيعة الحال قد زاد من تعاستها وزاد من مرضها النفسي فكانت تقوم بواجبها على أتم شكل واتم صورة إتجاه أمها لكنها في الحقيقة كانت تندب حظها وتدخل غرفتها لتذرف الدموع ندماً وألماً على حالها.
مرت السنون ووضع ايمان وحالها النفسي يزداد سوءاً ويزداد تعقيداً وهاهي اليوم قد أكملت الأربعين من عمرها ولم تتزوج لذلك فقد غيّرت حتى من طبيعة عملها وراحت تعمل في إحدى المؤسسات الخيرية للأيتام لتنشغل بتربية الأولاد اليتامى والمساكين وفي المساء وكالعادة وبعد أن تكمل عملها تعود الى البيت لتجد أمها بإنتظارها فهي لامُعيل لها إلا الله وإبنتها.
في يوم إتصلت خالة ايمان بالبيت فلم يرد على إتصالها أحد، كررت الخالة مرة أخرى وأخرى. لا، فلا أحد يرد!!
ففكرت مع نفسها وقالت: ما الذي حصل ياترى؟ فأختي لاتستطيع الخروج وايمان لاتتركها فلماذا لايرد أحد؟ سأنتظر قليلاً وأتصل من جديد وفعلاً إتصلت من جديد وايضاً لم يرد على إتصالها أحد. هنا إنتابها قلق شديد وقررت الذهاب الى بيت أختها فوراً.
وصلت الخالة الى بيت اختها وطرقت الباب ولكن يبدو أنه لايوجد أحد في البيت.
ياإلهي ماذا حلّ بأختي؟ اين ذهبت بها ايمان؟ هل يمكن أن تعرضت أختي لمكروه؟ ولكن لماذا لم تتصل ايمان بي؟ فقررت أن تتصل الخالة بإيمان ولما إتصلت أجابتها ايمان بأنها لاتعلم عن أمها شيئاً. تعجبت الخالة وإندهشت مما سمعته ولن تُطل الحديث مع إبنة اختها لأنها أيقنت أن أختها في البيت، صرخت بأعلى صوتها فربما تكون اختها نائمة لكن القلق الذي ساورها كان في محله فلقد كانت اختها في خطر وغير قادرة على إسعاف نفسها لهذا إتصلت بالشرطة!
أعزائي المستمعين بعد أن دخلت الشرطة البيت ودخلت خالة ايمان معهم شاهدوا الأم المسكينة مرمية على الأرض وهي في حالة غيبوبة وبعد إجراء بعض الإسعافات الأولية عليها إستفاقت من غيبوبتها فسألتها أختها بعجلة: واين ايمان؟ قولي ماذا حدث؟
قالت الأم وهي لازالت متعبة: لقد غادرت إبنتي البيت منذ أكثر من أسبوع ولن تعد تسأل عني ولكني أعتقد أنها تعمل في مدرسة لتربية الأيتام.
هزّت الخالة رأسها وقالت لأختها: كان الله في عونك وكان الله في عون إبنة اختي كذلك.
بعد أن إستمعتم أعزائي المستمعين الى قصة ايمان وتعرفتم على مدى اليأس الذي أصاب ايمان من عدم زواجها وكيف إنعكس ذلك على حالاتها النفسية وتركها أمها ولجوءها على العيش لوحدها نتوجه الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما يراه الشرع في هذه الحالة خصوصاً وأن ايمان قد نذرت حياتها من اجل أمها خلال سني شبابها فما هو الثواب الذي ستناله وماذا عن المجتمع، أليس على الرجال مثلاً أن يتقدموا لنساء من هذا النوع ضحين من أجل أمهاتهن او آباءهن؟
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله آل الله
طبعاً أمثال هذه الحالات نحن مبدئياً بالنسبة الى هذه الأخت نرجو من الله أن يكتب لها السعادة ويكتب لها الثواب مبدئياً رأي الشرع وثقافة الإسلام تحيي هذا الشعور وتحيي هذه الأريحية وطبعاً الروايات واحاديث أهل البيت، أفعال أهل البيت، مشاريع أهل البيت تتفق وتتحد على أن هذه البنت وأمثالها هي من أسعد الناس لأنه الله سبحانه وتعالى جعل لبعض الأعمال ثواباً عاجلاً ومن أوائل هذه الأعمال هي صلة الرحم وأي رحم أقرب من الوالد، أقرب من الوالدة فبطبيعة الحال لما تكون بنت او ولد يوظف حياته ويتمرد على ذاته ويتمرد على غرائزه ويحبس نفسه حصرياً على خدمة والده بمعنى أنه يضحي بكل ما لديه، بوجوده. ما من شك أن الله سبحانه وتعالى سيفتح لهذا الطرف آفاقاً من الخير غير محسوبة لكن هناك الطرف الثاني في المشكلة وهو أن بنتاً كهذه حينما تقدم كل حياتها لوالدتها وكما يُقال في العرف السائد يفوتها قطار الزواج فتصبح من العناصر المتروكة او المهمولة ومما يؤسف وهي من مآخذ أهل هذا الزمان وطبعاً نحن لانلوم الزمان، الزمان هو الزمان ولكن أهل الزمان هم المشكلة، أهل الزمان أبتلوا بالجانب المادي وبالجانب المسمى بالموجود يعني لا الجانب الروحي او العقلاني فنحن من فوق المنابر وفي المحاضرات وفي الكتابات نؤكد على أن يتجاهل الإنسان اولاً وقبل كل شيء هذه الجوانب المادية او الحياتية وأن لايأخذ بمقولة هذا وذاك وأن يقيم هو بنفسه الحالة وأن يشخص له سرور الله وبطبيعة الحال حينما يكون سرور الله في ذلك، الله عزوجل يبادله. الله وعدنا قال "يوفى اليكم إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها" ما من شك لما الطرف يُحسن الى جهة ويتقدم لخطبة بنت كهذه التي لاعيب لها إلا أنها بذلت حياتها لوالدتها وهذا ليس بعيب وإنما وسام شرف أن يجعل الإقتران بهذه البنت تشجيعاً للفضائل وتشجيعاً لمكارم الأخلاق، تشجيعاً للقيم التي أرادها الإسلام لذلك اعود واؤكد على ان السعادة وتحقق الطموحات لايتيسر كما يظن الإنسان وفق خططه وآماله وإنما يتيسر وفق النوايا والأعمال بالنيات. نسأل الله تعالى أن يجعل كل خطواتنا في رضاه وطالما كانت في رضاه فالله سبحانه وتعالى يعوّض لنا ويعطينا أكثر مما كنا نتوقع في كل المجالات إن شاء الله.
بعد ان إستمعنا الى السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة توجهنا الى الدكتورة آيات نور الدين الأخصائية في علم النفس الإجتماعي من بيروت لسؤالها مَن هو المُقصر في مأساة ايمان ومَن هو المُسبب فهي شابة جميلة وناضجة لكنها أفنت شبابها من أجل رعاية أمها وفي لحظة وبعد طول صبر وتحمل حست بنوع من اليأس وربما بنوع من الندم أنها لم تتزوج مبكراً. هل كان على ايمان أن تتخذ اسلوباً آخر في رعايتها لأمها دون أن يؤثر على زواجها أم كان على بعض المؤسسات الإجتماعية أن ترعى والدة ايمان لتوفر للشابة المسكينة فرصة التمتع بحياتها أم ماذا برأيكم؟
نور الدين: عندما نتحدث عن هذه القضية غاية الأهمية لأننا في بلد لعله هناك تقصير وسوء إدارة لبعض الأمور في الكثير من الجهات. عندما نتحدث عن رعاية المسنين يجب أن يكون هناك مؤسسات إجتماعية ليس كما هو موجود في الغرب. عندما نتحدث عن رعاية المسنين يوضع المُسن ويُنسى ولايُذكر بل يجب أن تكون هناك مؤسسات يستطيع أن يقضي المسن بعض وقته فيها بشكل عندما يكون الأبن الوحيد او الأبنة الوحيدة ترعى هذا المسن تستطيع أن تقوم بأمور اخرى وبمهام أخرى في حياتها مع الحفاظ على هذه المؤسسة والحفاظ على قيم مهمة جداً كقيمة رعاية الأبوين من قبل الأبناء يعني هذا الأمر لايُنتفى مع وجود هكذا مؤسسات من هذا المنظار. ايضاً هناك امر مهم وهو النظرة الى الفتاة التي تقوم برعاية أمها فما المانع أن تكون هذه الفتاة، تستطيع الحصول على أسرة، بناء أسرة وحياة زوجية لأن هذا لايتنافى مع الزواج. فإذا وجد رجل يتقبل هذا الأمر ويتفهم هذا الأمر لأنه هو لو وضع في نفس الموضع لكان يقوم بنفس الأمور اذن هذا الأمر يجب ايضاً أن يؤخذ بعين الإعتبار لتنمية الشباب عليه في تقبل هذا الأمر كما يفرض في بعض الأحيان الزوج على زوجته رعاية أمه المسنة او أبوه المسن لذا يجب أن لايتعارض هذا الأمر في هذه الحالة مع مسئلة الزواج فإذا ركزنا في أمر لم نحصل عليه فتسوّد الحياة أمامنا وبالتالي نشعر بأنه لاحاجة بأن نُكمل هذه الحياة لذلك من المهم النظر الى الأمام والى امور مضيئة اخرى يمكن أن تستمر بها حياتها.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفي البرنامج الكريمين السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة آيات نور الدين الأخصائية في علم النفس الإجتماعي من بيروت حسن المشاركة ونشكر لكم حسن الإستماع الى برنامج من الواقع قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم في أمان الله وحفظه.