خبراء البرنامج عبر الهاتف: السيد رياض الموسوي الباحث الالسلامي من العراق، الدكتورة نجاة ابراهيم المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم أعزائي في برنامج من الواقع، واليوم ستكون قصتنا عن الوهم والسراب الذي يمضي معظم الناس حياتهم لاهثين وراءه حتى تضيع أيام بل وسنوات عمرهم هباءً.. كونوا معنا لنستمع الى قصة اليوم أولا، وسنعود معكم وكما هو معتاد نستضيف أحد علماء الدين والمختصين النفسانيين او التربويين للإجابه على بعض التساؤلات التي تطرح... سنلتقي مجددا بعد استماعنا لقصة اليوم...
بعد سنوات طويلة من الانتظار عاد ... عاد من غربة دامت خمس سنوات، حين سمعت أنه سوف يعود بكيت بكيت بحرقة ... لم أكن أدري سبب بكائي هل هو فرح بعودته أم بكيت سنوات عمري الضائعة، وأنا جالسة في مكاني انتظر عودته ... قبل خمس سنوات تمت خطبتي له .. وبعد أن تواعدنا على حب الله أن نبني حياتنا معاً جاء ليقول لي أنه سوف يغادر البلاد سوف يذهب الى أوروبا... قال لي حينها أنه سوف يرتب أمور حياتنا وسوف يرسل في طلبي أو يعود ليأخذني معه... كان شاباً متديناً.. أكثر ما أعجبني به هو التزامه واحترامه لحياتنا ولعاداتنا...
منذ خمس سنوات طرق بابنا ذلك الشاب البسيط .. كان في عينيه بريق أمل ويشع من وجهه الايمان والخوف من الله... ابتسمت وأنا جالسة كما اعتدت أنظر من نافذة المنزل المطلة على باب الدار أترقب دخوله كما كان دخوله الأول .. ابتسمت فرحة بذلك الوجه الذي يشع النور منه... ترى كيف شكله الآن هل تغير أظنه لم يتغير كثيراً سوى بعض خصيلة بيضاء قد غزت سواد شعره ربما يكون هذا او تكون بعض خطوط الوقار قد داهمت أسفل عينيه.. كما داهمت عيني من كثرة الإنتظار والترقب... شعور بالخوف يلازمني وضيق في صدري كم كان انتظاري طويلاً.. ولكني اليوم ولسبب ما أريد ان أؤجل هذا اللقاء لا أعرف ما هو السبب انه شعور باليأس... لا يمكن أن يكون اليأس .. شعور بالبأس.. لا ليس ذلك.. ربما بالإحباط.. لا أظن لا أدري فقط أدري أنني قلقة وغير مرتاحة....
طرقت الباب بشكل غريب ومفزع ... وأنا جالسة في مكاني أنظر الى الباب وعندما فتح الباب أخي الصغير كما في المرة الأولى ولكن الفارق هو أن أخي الصغير كان صغيراً حقاً واليوم أصبح كبيراً .. تصافحا وتعانقا دخل شخص لم أعرفه لم أره من قبل من يكون هذا يا ترى ... من هو؟ وقفت واقتربت من النافذة تمعنت النظر وتمعنت وتمعنت... كنت أبحث فيه عن مجيد.. كنت أبحث عن مجيدي أنا.. لم أجد منه سوى شاب وسيم يرتدي ملابس أنيقة براقة.. تغير جذرياً.. وربما أبدو أنا بجانبه امرأة كبيره أظناها الإنتظار ... أمر مخجل أن أجلس بجانب هذا الشاب.. سيلفت الإنتباه الفارق الذي بيني وبينه لقد أخذت مني سنوات الإنتظار مأخذاً .. أما هو فقد عاد شاباً لم أعرفه... تسمرت في مكاني وأنا حائرة .... ما الذي يمكن أن افعله هل أذهب لمقابلته وأنا في هذه الحالة.. أو ربما علي أن اتزين قليلاً لعلي أبدو أصغر سناً.. ما الأمر؟ ما بي لماذا أنا متوترة لم أمض الخمس سنوات متسمرة في مكاني أنتظر دخوله والآن ماذا بعد؟!
جلست أمامه أنظر في عينيه متسائلة ما الذي أخرك كل تلك السنين... كان يدخل في حديث ويخرج من آخر لم أنطق بكلمة واحدة... بقيت متسمرة في مكاني أنظر اليه وأبحث في عينيه عن ذلك الشاب الذي رأيته اول مرة.. وقد كبر في مخيلتي وأصبح رجلاً ناضجاً.. ولكن الذي أمامي.. صورة من صور المجلة .. شاب وسيم عطره يشم في الغرفة المجاورة.. يتحدث عن الترف الذي يحياه ولكن ما الذي أخرك .. لماذا لم ترسل ورائي؟ سألته هذا السؤال والغصة في قلبي والدمعة تكاد تطفو على سطح خيبة الأمل التي كنت أشعر بها في تلك اللحظة.. قال بكل برود حين تأتين معي وترين الحياة والحرية ووووووووو... حينها تعرفين ما الذي أخرني... قالها ببرود وكأن الخمس سنوات كانت عشر أيام.. وكأنه لم يجعل من حياتي شتاء طويل له بداية ولم تكن له نهاية....
كان صمتي هو سلاحي الوحيد، كيف لي أن أقول لا بعد كل تلك السنوات من سيفهمني إنه لم يكن هو من عاد أنه شخص آخر سعى وراء الحياة المرفهة ولكنه نسى حياتنا، نسى أننا نملك ما هو أهم من الترف والرفاهية.. نعم نستحق الرفاهية ونستحق الترف كما يسميها هو ولكن كيف؟ كيف؟ أصبح مسخ منهم .. وأنا لا أريد أن أخسر أكثر من خمس سنوات .. خسرت الخمس سنوات في الإنتظار ولا أريد أن أخسر سنوات أخرى في التغيير.. أريد أن أعيش كما تعيش بقية النساء .. أريد أن يكون لي بيت أريد أن أقف وراء زوجي في صلاة العيد .. أريد تحوطني ذراعه عندما نمر في زحام الطريق خوفاً عليّ من المارة من سراق الطرقات.. أريده أن يحميني من ذاتي قبل أن يحميني من الآخرين.. أريده أن يمر بي الى بر الأمان بطريق سوي مستقيم.. أريد ذلك الشاب الذي خرج يبحث عن الحياة ونسي أن الحياة ليست لباس على الموضة ولا سيارة فاخرة ولا شعر مصفف كشعر نجوم هوليوود...
كلما جلس معنا اشمئزت نفسي منه وشعرت بخيبة أمل لطول انتظاري.. وفي كل يوم كنت أشعر أنني كنت أنتظر وهماً .. أما هو أشعر أنه سعى وراء وهم وسراب حتى أضاع كل شيء أضاع نفسه وايمانه ودينه ودنياه .. ويريد أن يجرني اليوم الى تلك الهاوية... ولكنني انتظرت وتعبت من الانتظار انتظرت ونسيت أيضا انني كنت أضيع أجمل سنوات حياتي والآن .. إن قلت نعم سأكون أخسر سنوات عمري كلها... وإن قلت لا سأكون أخسر أكثر أيضا... إنني مترددة في كل خطواتي أخاف إن قلت لا إنني أضيع فرص كثيرة ... وإن قلت نعم أكون أخسر أكثر من خمس سنوات مضت.. ما الذي يمكنني أن افعله؟
نعم خيبات الأمل كثيرة في الحياة .. وكما اعتدنا في كل مرة مستمعينا الكرام استضفنا سماحه السيد رياض الموسوى الباحث الإسلامي من العراق و بعد ما أسمعناه القصه سألناه، هل يجوز شرعاً ترك المرأة تنتظر كل هذا الانتظار؟ وأي الخيارين أفضل لفتاة ربما يكون قطار الزواج فاتها بعد أن انتظرت خمس سنوات؟ وهل هناك أمل من شاب غررت به الحياة... ولكنه مع ذلك لم ينس وعده وعاد ليأخذ الفتاة ولو بعد خمس سنوات؟
الموسوي: بسم الله الرحمن الرحيم بالنسبة الى هذه القصة طبعاً هذا السؤال يرجع بنا الى جذور اساسية وجذور شرعية وهي ان البنت اساس الاتفاق مع هذا الشاب كان غير صحيحاً لماذا؟ لأن لابد للبنت في امر الزواج ان تأخذ رأي والدها، رأي عائلتها فنفترض ان هذا الشاب قد اختار اختياراً اخراً فمن الناحية الشرعية ليس هنالك الزام على البنت ان تنظر الشاب وليس هنالك الزام ان في بهذا الوعد لأنه وعد يمكن ان يقال من الناحية الشرعية قد يكون من الصعب الوفاء به من قبل الشاب ومن قبل البنت ايضاً وقد يتسائل اي الخيارين للفتاة اولى واهم عندما يكون قد فاتها قطار الزواج وهي في عمر مبكر ثم هي انتظرت خمس سنوات، ينبغي للبنت ان تضع العواطف والاحاسيس النفسية جانباً يعني لابد لها ان تفكر بعقلها، ان تسير خلف الارشاد الصحيح وان تفكر بعقلها بحكمة اما انها تنتظر خمس سنوات على امل ان يأتي هذا الشاب الذي قد اوعدها طبعاً الخيار الافضل لبنت هذه ان ترى مستقبلها بمن يأتي اليها من الشباب المؤمنين الموجودين في بلدها وكما يقول الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم "اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وان لاتفعلوا فتكون فتنة وفساد في الارض كبير" فهذه البنت المؤمنة سوف تنتظر خمس سنوات الى ان يحتمل هذا الشاب قد يأتي او لايأتي.
نشكركم سماحه السيد رياض الموسوي على تلك الإجابة..
أما الآن مستمعينا الكرام نستمع الى رأي الدكتورة نجاة ابراهيم المختصه في علم النفس الاجتماعي من لبنان حيث سألناها: هل أن سنوات الإنتظار جعلت من تلك الفتاة تحلم بأن يعود لها خطيبها وقد رسمت في مخيلتها شيء خاص جلست تنتظره وتتأمل عودته ... وهل يمكن لهذه الفتاة أن تعيش حياة الحرية كما يصفها خطيبها تلك وأن تبيح لنفسها ما أباحه هو لنفسه؟
ابراهيم: الحقيقة اسئلة مهمة جداً ولكن الجواب متنوع ومتعدد، اولاً مجرد ان هذا الخطيب سافر بعيداً الى بلاد مختلفة بثقافتها ومختلفة بعاداتها وتقاليدها وعاش خمس سنوات هذا العيش سيجعله مختلفاً قلباً وقالباً، البعض عندما يسافر الى الخارج يحافظوا على مستوى معين من القيم والعادات لكن يتغيروا على مستوى العقل والفكر والانفتاح الفكري الاكثر ولكن البعض الاخر يحاولوا ان يقلدوا المجتمعات التي يذهبوا اليها، هي بقيت على الوضعية التي كانت عليها عندما تركها الخطيب وهي مازالت تنظر اليه كما كان سابقاً، الخمس سنوات التي جمدت في محلها وهي تنتظر حالة معينة سترجع اليها بنفس المستوى طبعاً بعد خمس سنوات عاد ولكن عاد وقد عاش الكثير من التجارب وقد يكون مارس امور كثيرة تعجبها وقد لاتعجبها لذلك قبل اخذ اي قرار المفروض هي تعطي لنفسها فرصة او مجال معين لترى ما المطلوب منها يعني هذا الانسان الذي تغير كلياً قلباً وقالباً قد يكون لايصلح لها الان لأنه لايكفي ان نسافر وان نعيش تجارب ونعود ونريد ان نطبقها على الاشخاص الذين يعنونا ومن يقول ان هذه الاشياء هي سوية ام لا لأن واقع الحال هو يقول عن الحرية، طيب اذا كان في مجتمعات غربية او في مجتمعات مختلفة فهناك حرية فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية، في العلاقات العاطفية، في العلاقات الجنسية نحن ننتمي الى مجتمع له عاداته وتقاليده وبالتالي كل انسان سوي هو انسان يكون متكيف مع البيئة التي ينتمي اليها، لايستطيع ان يفرض عليها معايير ومقاييس هي لاتهضمها ولاتفهمها ولاتريدها لهذا هو عاد من جديد اليها والى مجتمعه الاول هو ايضاً عليه ان يعود وان يتأقلم مع مجتمعه الاساس لاان ينقل المجتمع الذي كان فيه الى مجتمعه الاساس وخاصة ان لايطلب من هذه الخطيبة ما لاتستطيع القيام به ومن يقول ان مايطلبه هو جيد، يقول انه هو تعود على مجتمعات حرة اكثر، لاندري ماهو المقصود بالحرية، انا مع حرية المرأة، حرية المرأة ان تتعلم، حرية المرأة ان تنتج، حرية المرأة ان تكون شريكة لزوجها، حرية المرأة ان تكون متشاركة مع زوجها في عملية تربية الاولاد وفي ادارة شؤون المنزل ولكن الحرية ماذا تعني بالنسبة لهذا الشخص الذي ذهب بعيداً الى مجتمعات مختلفة ولاادري اذا كانت متعلمة او لا وعلى اي مستوى من المعرفة هي ولكن الموضوع عائد لها لأن تمر بمرحلة اختبار تعرف فعلاً ماذا يريد منها، ماهي الحرية المطلوبة، هل تتعارض مع ماتريده هي وبالتالي اذا وجدت ان الاختلاف كبير بينهما تستطيع ان تسد هذه العلاقة وتكون هي صاحبة المكسب، لأن هذا عمر وهذه تجربة مهمة الزواج والانجاب والاسرة والاولاد فبالتالي المفروض ان تأخذ مسافة معينة وتعطي مساحة من الوقت حتى ترى ان مايطلبه منها تستطيع ان تجاريه لتستمر والا تستطيع الانفصال وبضمير مرتاح.
في ختام حلقتنا لهذا اليوم نشكر مشاركة كل من سماحه السيد رياض الموسوي من العراق والدكتورة نجاة ابراهيم من لبنان كما ونشكر حسن استماعكم والى لقاء آخر في موعد جديد مع "من الواقع".