أحبّتنا المستمعين! تقبّلوا تحايانا الخالصـة ونحن نجدّد اللقاء بكم عبر المحطّة السابعة من برنامجكم الفيمينية تحت المجهر ، حيث كان الحديث قد دار في الحلقـة السابقة حول المكانة الجديدة التي اكتسبتها المرأة مع إشراقة الدين الإسلامي الحنيف ، و التكريم الذي حظيت به في ظلّ التعاليم القرآنية ، وفي هذه الحلقة من البرنامج سنسلّط الضوء علي الأسس والمباديء الفكريّة والنظريّة التي استند إليها أنصار الفيمينيّة أو ما يسمّي بحركة تحرير المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل ، ندعوكم لمرافقتنا ...
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
لقد منحت النساء في الإسلام حق المشاركة السياسيّة منذ بداية ظهوره وأوصي بحضورهنّ في جميع المجالات العلميّة والثقافية والسياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة . وأما المرأة الغربيّة فقد كانت تحاول الحصول علي حقوقها من خلال التظاهرات المناهظة و حركات من مثل الفيمينيّة ؛ الحركةِ التي خرجت فيما بعد عن مسارها الذي أعلنته رغم أنّها كانت تسعي من أجل إقرار حقوق المرأة ، ولكنها ابتليت بالتطرّف والانحراف بسبب استنادها إلي أسس فكرية وسلوكيّة مغلوطـــة ، فأخفقت في تحقيق الكرامة وإعادة الاعتبار للمرأة . وسنشير فيما يلي إلي بعض من الأسس الفكريّة للفيمينيّة من مثل النزعة الفرديّة و الإنسانيّة محاولين نقدها .
ومن جملة أهم الأسس الفكريّة للفيمينية النزعةُ الإنسانيّة أو الفلسفة التي تؤكّد قيمة الإنسان . فالفيمينيّة وباعتبارها ظاهرة ولدت في أحضان المذهب الإنسانيّ للغرب ، تَعتبر الإنسانَ محور كلّ الحقائق والمعارف والقيم و مصدرها ، ولا تؤمن بالحقائق الغيبيّة . وكما إنّ النزعة الإنسانيّة تشكّل أساس الحداثة وماوراء الحداثة بدلاً من النزعة الإلهيّة ، فإنّ النزعة الإنسانيّة تشكّل أساس الأفكار الفيمينيّة . جدير ذكره أنّ الفكر الإنساني كان يمثّل تيّاراً متطرّفاً في مقابل النزعة المتطرّفة للمسيحية في القرون الوسطي والتي تعتبر الإنسان المادي هو المحور وتحلّل وتقيّم كل الأمور علي هذا الأساس .
أعزّتنا المستمعين !
إنّ مصطلح المذهب الإنساني لايلتفت إلّا إلي الكفاءات الفرديّة والشخصيّة للإنسان . وقد قامت الفيمينيّة بدورها علي أساس وجهات نطر المذهب الإنساني واستناداً إلي محاور مثل التأكيد علي الإنسان و الحرية المفرطة والمنفلتة و نسف القيم الإنسانية فيما يتعلق بالإيمان بالله .
ويري أنصار الفيمينيّة وانطلاقاً من وجهة نظرهم الإنسانيّة أنّ أفراد الأسرة يتمتّعون بالاستقلاليّة ولا يحمل أيّ منهم مسؤوليّة تجاه الآخر . وقد أدّت عقيدة الفيمينيّة هذه إلي سيادة الأنانيّة بين أفراد الأسرة و تملّصهم من المسؤوليّة إزاء بعضهم البعض . في حين أن الإسلام يري أنّ القوانين السائدة في الأسرة تضع المسؤوليّة علي عاتق الأفراد في مقابل بعضهم البعض . من مثل دفع النفقة ، و دعم الأب للأسرة والدور التربوي للأم وغير ذلك حيث أكّد علي واجبات أفراد الأسرة من خلال هذه التشريعات .
ويري الإسلام ، خلافاً لتأكيد الفيمينيّة علي الاستقلال الفردي للمرأة في الأسرة ، أنّ هنالك قوانين واسعة من أجل إقرار علاقات وثيقة بين أفراد الأسرة مع المحافظة علي الحقوق الفرديّة لأفرادها . وهذه القوانين تُخرج الرجل والمرأة في المؤسسة الأسريّة من حالة الفرد المستقل وغير المكترث بمصالح الآخرين ليحمّلهما المسؤوليّة أمام مصالح أفراد الأسرة الآخرين .
إنّ الرؤية المتطرّفة والمبالِغة في التأكيد علي دور الإنسان ، مرفوضة ومنبوذة من وجهة نظر التعاليم الإسلامية الصادرة عن الوحي الإلهي . ذلك لأن الفكر الإنساني لم يكن يعمل علي إعداد برنامج لتكريم الإنسان وإصلاح الأفكار ، في حين أنّ الإنسان يتمتّع بمكانة خاصّة من منظار الإسلام والأديان الإبراهيميّة . وعالم المادّة من وجهة نظر الإسلام إنّما سُخّر للإنسان وخلق له وكلّ وجود الإنسان مرتبط بالله وبحاجة إليه ضمن التدبيرين التكويني والتشريعي هذا من جهة ، ومن جهة أخري فإنّ من المتعذّر علي الإنسان تحقيق السعادة من دون العون الإلهي .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
إنّ الإنسان سواء كان رجلاً أم امرأة بإمكانه ، من وجهة نظر القرآن ، أن يبلغ أعلي العليّيين أو ينحدر إلي أسفل السافلين وهذا التغيّر رهن بعمله في الحياة . والبشر تتقاسمهم - وفقاً لآيات القرآن - جوانب إيجابيّة وأخري سلبيّة . و الآيات القرآنيّة تنسب إلي الإنسان من جهةٍ بعضَ الأفعال مثل الظلم والجهل والجحود والطغيان والعجلة والتسرّع والبخل والحرص و النزعة إلي الجدل و تضفي عليه من جهة أخري صفات سامية من قبيل استحقاقه للخلافة الإلهيّة والكرامة والشرف الذاتي وتسخير النعم وسجود الملائكة له وما إلي ذلك .
ومن صفات النزعة الإنسانيّة الأخري ، باعتبارها إحدي المحاور الفكرية للفيمينيّة ، الإيمانُ بالحريّة اللامحدودة للإنسان . في حين أنّ الإسلام يري أنّ الحريّة البشريّة إن لم تتمّ السيطرة عليها في ضوء التعاليم الدينيّة والقيم الأخلاقيّة والقانونيّة ، فإن عقل الإنسان سيكون مُداناً وسيخضع لسيطرة الأنانيّة و النزعات الحيوانيّة الوضيعـة الأخري فيكون بذلك مستعداً لارتكاب أيّة جريمـة . كما إنّ الحريّة المنفلتة التي ينادي بها المذهب الإنسانيّ لا تبقي مجالاً للواجب والمسؤوليّة والالتزام برعاية المصالح العامّة . ومن وجهة نظر الدين فإنّ الله تعالي هو الذي يتولّي تعيين حدود حقوق الأفراد ومصاديقها وعليهم أن يلتزموا بها باعتبار ذلك واجباً إلهيّاً .
وتُعتَبرالنزعـة الفرديّة وأصالة اللذّة من الأسس الفكريّة الأخري للفيمينيّة . فإن كان الإنسان هو المحور في المذهب الإنسانيّ ، فإنّ النزعة الفرديّة تدّعي أنّ الفرد هو المعيار والمقياس بكلّ خصوصيّاته الفرديّة . وحياة الفرد تعود إليه لا إلي الأمور الخارجة عن ذاته . ولذلك فهو مخيّر في أن يتصرّف وفق رغبته وإرادته . وبهذا الاتجاه ، فإنّ الفيمينيّة تتخذ من الفرد ورغباته ومطالبه الملاكَ والمعيار في كل الأبعاد السياسيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة والقانونيّة .
والقيمة العامّة الوحيدة في الفكر الفيمينيّ وخاصة الفيمينيّة الليبراليّة ، هي حريّة الإنسان وقيمتُها مطلقة ومقدّمة علي كلّ القيم الأخري . و تبلغ أهميّة الفرد في قالب النزعة الإنسانيّة حدّاً بحيث يصبح الفرد و رغباته الملاكَ والمعيار للقوانين الأخلاقيّة أيضاً . و الحَسَن هو الشيء الذي يحبّه الإنسان باعتباره فرداً . و الرغبات هي حقائق لايمكن تغييرها و متأصّلة في طبع الإنسان حيث يجب علي الأخلاق أن تتكيّف معها . وعلي هذا الأساس ، فإنّ علي النُظُم السياسية والحقوقيّة والأخلاقيّة أن تتكيّف مع الإنسان وحرّيته لا أن يتكيّف الإنسان معها .
ويري تشارلز تايلور أستاذ الفلسفة والعلوم السياسيّة في جامعة ماك جيل بكندا ، أنّ النزعة الفرديّة هي من المعضلات الأساسيّة التي تواجهها المجتمعات الغربيّة الحديثة ، ويقول في هذا الصدد :
لقد فقد البشر المعاصرون رؤيً واسعة ، لأنّ تركيزهم ينصبّ علي حياتهم فقط . وبعبارة أخري فإنّ الوجه المظلم للنزعة الفرديّة هو الأنانيّة التي تجعل الحياة وضيعة مبتلية بالفقر، وتمنع الأفراد من الاهتمام بالآخرين أو المجتمع .
مستمعينا الأفاضل !
أنتم علي موعد في الحلقة القادمة بإذن الله من برنامج الفيمينيّة تحت المجهر لمواصلة حديثنا حول الأسس والمباديء الفكريّة التي انطلقت منها هذه الحركة ، حتّي ذلك الحين تقبّلوا منّا أطيب التحايا شاكرين لكم حسن المتابعة .