إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات في كلّ مكان !
سلام من الله عليكم ، ونرحّب بكم كلّ الترحيب في هذا البرنامج الجديد الذي يقدّمه لكم القسم الثقافي والاجتماعي في إذاعة طهران ، صوت الجمهورية الإسلاميّة في إيران، حيث يسرّنا أن يجمعنا بكم لنستعرض معاً أطروحة حركة تحرير المرأة أو مايصطلح عليها بـ الفيمينيّة كما ظهرت في الغرب ومقارنتها مع الأطروحة الإسلاميّة علي مرّ التاريخ ، آملين أن تقضوا معنا أطيب الأوقات عبر محطّات هذا البرنامج.
مستمعينا الأفاضل !
كان موضوع المرأة والقضايا والمشاكل المتعلّقة بها وما يزال مدار نقاش بين الباحثين والمفكّرين . فأوضاع المرأة وخاصة القضايا المتعلّقة بمكانتها في الأسرة ، و مشاركة النساء في المجتمع ، ودورهنّ في الأوساط العامة وما إلي ذلك من القضايا التي كانت دوماً مثار نقاش وجدل ، تمّ التعامل معها في كل منطقة من العالم بما يتناسب مع الثقافات السائدة في تلك المنطقة . وقد قُدّمت في هذا الصدد وجهات نظر مختلفة و أفكار مؤيّدة ومعارضة انبثقت من صلب هذه النظريّات ووجهات النظر و المذاهب الفكريّة . ومن هذه المذاهب مايسمّي بـ الفيمينيّة أو نظريّة المساواة بين الرجل والمرأة أو حركة الدفاع عن حقوق المرأة وفق الرؤية الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق المرأة.
وفي هذا البرنامج الذي أعددناه لكم - إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات - تحت العنوان المرأة بين أطروحتين ، عمدنا إلي تقديم دراسة نقديّة مختصرة عن الأسس والأصول النظريّة والعملية للفيمينية ، و استعراض تاريخها و نزعاتها الفكرية العديدة ، و أبعاد هذا المذهب وجوانبه المختلفة من خلال الاستناد إلي التعاليم الإسلامية ، راجين أن يحظي هذا البرنامج بحسن إصغائكم ومتابعتكم ، وأن يسهم في مواجهة ظاهرة العولمة الغربية في جوانبها السلبيّة ، هذه الظاهرة التي باتت تعدّ من التحدّيات الخطيرة التي تواجهها المجتمعات المسلمة في عالم اليوم .
أحبّتنا المستمعين !
لاشكّ في أنّ المرأة وباعتبارها تشكّل جزءاً ملفتاً للنظر من المجتمع تحمّلت علي مرّ التاريخ الكثير من المعاناة والآلام ، وتعرّضت للعديد من مظاهر الظلم . فقد نظر المجتمع إلي المرأة علي مرّ التاريخ بوصفها إنساناً من الدرجة الثانية وباعتبارها كائناً طفيليّاً ، لاحقوق له أو يتمتّع بأدني مستوي ممكن من الحقوق في أحسن الأحوال ، وذلك قبل الأوضاع السائدة في عالم اليوم والتي تبدو متطوّرة وحضارية في الظاهر ، اللهم إلّا إذا استثنينا استعادتها لمكانتها وقيمتها الحقيقيّة واعتبارها إنساناً لافرق بينها وبين الرجل من هذه الناحية وذلك في ظلّ الوحي والتعاليم الإسلامية السامية .
وعلي سبيل المثال فقد كان المجتمع ينظر نظرة دونية إلي المرأة في المجتمع الجاهلي وكانت محرومة من الكثير من حقوقها ، ولكن ومع إشراقة الدين الإسلامي استعادت المرأة حقوقها وشخصيتها وكرامتها الإنسانيّة وهويّتها الحقيقيّة بل إنها شغلت مكانة سامية مرموقة في ظل تعاليم الإسلام وتأكيداته ، واستطاعت بلوغ مستويات مرموقة من الكمالات الإنسانيّة في ظلّ العفّة و الطهر والنقاء ، والقدرة علي الصبر والتحمّل وثبات القدم و الفضائل الأخلاقيّة الحميدة الأخري .
ومن البديهي أن اكتساب المرأة لهويّتها هو في الحقيقة اكتساب المجتمع لها ، و إيلاء الأهميّة للمرأة ومظاهر كمالها إنّما هو اهتمام بكل شرائح المجتمع . وقد أولي الدين الإسلامي الحنيف شخصية ومكانة سامية للمرأة وحارب وأدان الخرافات المختلفة والمعتقدات الخاطئة فيما يتعلّق بالمرأة علي مرّ تاريخ البشريّة . وقد حدث ذلك الإنجاز الجبّار في ظروف كانت فيه بعض المذاهب الوضعية و المناهج المزيّفة ، تحتقر المرأة بشدّة وتعتبرها كائناً متطفّلاً علي كيان الرجال. ولم تكن بعض الأمم المتحضّرة بأقلّ تجاهلاً لقيمة المرأة ومكانتها من المجتمعات البدويّة وغير المتحضّرة . وعلي سبيل المثال ، فإن المرأة لم تكن تتمتّع بمنزلة تحسد عليها طيلة تاريخ الغرب فقد كانت تتعرّض للظلم والاضطهاد دوماً . ونحن نلاحظ هذه النظرة الدونيّة إلي المرأة في أفكار الشعوب الغربيّة وسلوكيّاتها علي نطاق واسع . وتفيد النصوص والشواهد التاريخية بأنّ الجهل والعنف كانا العاملين الرئيسين في ظلم المرأة وامتهانها طيلة تاريخ البشريّة .
يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة في هذا المجال :
" أري أن المرأة قد تعرّضت للظلم علي مرّ التاريخ في المجتمعات المختلفة ، وسبب ذلك جهل البشريّة ، و بهذا الأسلوب يمارس القويّ الظلم عادة بحقّ الضعيف .
مستمعينا الأكارم !
يمكننا اعتبار الفيمينيّة ردّ فعل طبيعياً مصدره القيود التي فرضت علي المرأة في العالم الغربي طيلة تاريخه ، وقد انبثقت الأفكار الفيمينيّة من وجهات نظر المفكّرين في المذاهب العلمانية و الليبرالية و الإنسانيّة التي قامت علي مجرّد عبادة الشهوة والحريّة المطلقة وعدم الالتفات إلي الفروق الأساسيّة بين المرأة والرجل . وقد أدّت هذه الحركة المتطرّفة التي كانت قد ظهرت لإنقاذ المرأة الغربية ، إلي ظلم جديد بحق المرأة يمكننا أن نسمّيه ظلم المساواة ، وذلك من خلال حركة موحّدة تفتقر إلي التدبير وتحت شعار المساواة بين الرجل والمرأة ولكن مع تجاهل الاختلافات الذاتية بين المرأة والرجل .
وقد تحوّلت اليوم الشعارات الرنّانة لهذه الحركة من مثل المساواة إلي وبال و كابوس يلاحق المرأة بناء علي اعتراف عقلاء الغرب والإحصائيّات الرسميّة . فظلم المساواة هو ظلم جديد و امتداد للظلم القديم ولكن بشكل مختلف ، حيث يؤكّد سماحة قائد الثورة بشأن ظلم المرأة في الغرب في هذا الصدد قائلاً :
" علي الغربيين أن يتحمّلوا المسؤوليّة فيما يتعلق بجنس المرأة ، فلقد خانوا المرأة ، وما أثاره الغربيون ووسّعوا من نطاقه إنّما هو الانفلات و التهتّك بين النساء .
جدير ذكره أن الفيمينسم مأخوذة في اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية من كلمة فيمِينين بمعني المرأة أو الجنس المؤنّث من الأصل اللاتينيّ فيمينا . وقد كان شارل فوريه المفكّر الاشتراكي في القرن التاسع عشر، أوّل من استخدم هذه الكلمة للدفاع عن حركة حقوق المرأة . والفيمينية تعني في اللغة النزعة النسائيّة و الأنوثة . وفي الحقيقة فإن مثل هذه التعابير هي تفسير لهذه الكلمة ، ولكنّ دراسة تاريخ هذه الكلمة ومصطلحاتها تظهر أنّ من غير الممكن تعريفها باعتبارها كلمة وإطلاقها علي كلّ الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم من أنصار الفيمينيّة علي حدّ سواء .
وبالطبع فإنّ كلمة فيمينيّ لم يكن لها استخدام طبّي قبلاً ، وكانت تستخدم بشكل عام للإشارة إلي نوع من الاختلالات والأمراض الجنسيّة يصاب بها بعض الرجال و وتظهر عليهم بعض الصفات الخاصة بالنساء . ولكنّ هذه الكلمة فقدت فيما بعد معناها اللغوي شيئاً فشيئاً واستخدمت للإشارة إلي التيّار الذي اكتسب مسيرة تطوّر خاص في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر ، وكان يجري الدراسات والبحوث الخاصة بالفروق بين الجنسين .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
علي أمل أن نكون قد وفّرنا لكم أوقاتاً حافلة بالفائدة والمتعة ، وبرجاء أن تكون حلقتنا الأولي من برنامج المرأة بين أطروحتين قد حظيت بحسن متابعتكم ورضاكم ، اسمحوا لنا أن نودّعكم ، ونحن بانتظار ملاحظاتكم واقتراحاتكم.