نص الحديث
قال الامام الكاظم (عليه السَّلام): "فضل الفقيه على العابد، كفضل الشمس على الكواكب".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم صورة ( تشبيهية ) مألوفة اي: واضحة في اذهان الجميع من حيث الشمس وعلاقتها بالكواكب، بيد ان التدقيق في الصورة التشبيهية المذكورة تجعل ادراكنا لأهمية الفقيه قبالة العابد اكثر عمقا لموضوع الفقيه، طبيعيا ان البعض يعني بالفقه، ولا يتعبد والبعض يتعبد ولا يتفقه، والثالث يتفقه ويتعبد وهذا هو الافضل بطبيعة الحال، ولذلك فإن تشبيه الامام الكاظم (عليه السَّلام) فقيه بالشمس وتشبيه العابد بالكواكب، يظل في تصورنا حاملاً وظيفة جمالية مزدوجة هي: اكساب الفقيه درجة عالية قبالة العابد الذي لم يسلبه أهميته بل جعل العبادة لها أهميتها كالكواكب، وفي ضوء هذه الحقيقة نتقدم الى ملاحظة أركان الصورة التشبيهية.
بلاغة الحديث
وهذا ما نبدأ به الآن.
لا ترديد في ان الشمس حالة ظهورها تغطي على الكواكب وهذه النكتة اذا سحبناها على موضوع المقارنة بين الفقيه والعابد نصل الى استخلاص هو: ان الفقيه يغطي على العابد عبادته من خلال معرفته بدقائق واسرار العلم او الاحكام فمثلاً ورد في حادثة معاصرة للامام الصادق (عليه السَّلام) ان مارس احد الفقهاء التقية ومارس العابد اعلان عدائه واستشهد بسبب ذلك وحينئذ علق الامام (عليه السَّلام) بما معناه: ان كل واحد مارس وظيفته ولكنه اثنى على الفقيه أكثر من ألعابد … اي فضل عمل الفقيه على العابد دون ان ينتقص من العابد.
في سياقات اخرى نجد ان الانتقاص من العابد (اذا كان غير مزود بالفقه)
يأخذ فاعليته دون ادنى شك حيث لا فائدة من عمل عبادي لا فقه فيه، وهذا يعني: ان الظاهرة تأخذ سياقا متنوعا ولكن السياق العام هو: افضلية الفقيه (مشروطة بالعمل وليس العلم النظري) بالنحو الذي ارتكن اليه تشبيه الامام (عليه السَّلام)
هنا يتعين علينا ان نعرض أيضا لنكات اخرى في التشبيه المتقدم ومنها: ان الامام (عليه السَّلام) استخدم مفردة الشمس بينما استخدم صيغة الجمع بالنسبة الى الكواكب فلم يقل: لفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكوكب، بل قال: على الكواكب، وهذه نكتة بلاغية مهمة حيث يستخلص قارئ الحديث ان الشمس _وهي مفردة لا نظائر لها_ لها افضليتها على مجموعة الكواكب باكملها وهذا يعني: ان العباد جميعا اذا لم يمارسوا الوظيفة الاعلامية اي: التعريف باحكام العبادة لا فائدة وراءهم بل حتى العابد العارف باحكام الفقه اذا كان منعزلا عن الساحة الاجتماعية التي تفتقر الى من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا اهمية لعبادته إلا في حالة ما إذا كان الجو الاجتماعي لا يسمح له بذلك.
اذن: امكننا ان نتبين جملة نكات في التشبيه المذكور سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يتفقه في عمله العبادي وان يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.