نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "تاريخ المنى: الموت".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة تمثيلية، وهي ما يكون احد طرفيها وهو "تأريخ المنى" متمثلاً في طرف آخر مجسداً له وهو "الموت" ... والمهم هو ملاحظة هذه الصورة التي نطلق عليها مصطلح (الصورة التمثيلية) لانها تجسد مفهوماً من خلال تعريفها وتجسيدها لموضوع خاص ... واذا اراد ان نلفت نظرك الى دلالة الحديث فهو: واضح انه يقرر بان الانسان من حيث سنوات عمره طالما يزرعه بآمال متنوعة بحيث تنسحب عليه الآية القائلة "وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا" اي: عمروا دنياهم اكثر من عمرهم، لان العمارة للدنيا تتواكب مع عريض الآمال التي تتناسب مع زخارف الدنيا دون ان تفكر الشخصية بشيء هو آت لا محالة وهو الموت ... المهم: ان الامام علياً (عليه السَّلام) جسد الحقيقة المذكورة في عبارة (تمثيلية) هي "تاريخ المني: الموت" ...والسؤال هو: ما هي المعالم الجمالية لهذه الصورة "تاريخ المنى: الموت"؟
بلاغة الحديث
الصورة المتقدمة تحفل بجمال فائق فهي اولاً تصوغ آمال الانسان في صورة "تأريخ" اي: تجعل للآمال تأريخاً يبدأ من زمان محدد، اي: تشبه ذلك بعمر الانسان مثلاً حيث يولد ويعيش ويموت والأمل كذلك: مثل الطموح الى حصول المال والجاه والسعي الى عمارة المتاجر والبيوت والمؤسسات الخ... دون ان يضع الانسان في حسابه ان "الموت" لا مناص منه وان الاجل اذا جاء لا تقديم فيه ولا تأخير حتى ان الانسان مثلاً صرف سنوات في بناء دار له، واذا به يموت قبل ان يستكمل بناء بيته ... وفي مثل هذه الحالة تقترن آمال الانسان بصياغة عدد كبير منها أو نمط ضخم منها بحيث لا يدري هل يسمح عمره بتحقيق هذه الامال المرتبطة بحصول اموال طائلة أو عقارات أو مواقع سياسية او اجتماعية او ثقافية الخ ...
والآن مع ملاحظة هذه الظواهر التي استشهدنا بها تتقدم من جديد الى الصورة التمثيلية "تاريخ المنى: الموت" نلحظ طرافة كبيرة في هذه الصورة وقد تسأل عن دقائق هذه الطرافة فنجيب قائلين: ان التأريخ هو تحديد زمني لشيء فبالنسبة الى الامل الذي يزرعه الانسان يظل متعدداً ومتنوعاً انه يأمل الحصول على مكسب تجاري متواصل ومكسب اجتماعي مستمر وسفرات متعددة والانضمام الى مؤسسات متنوعة، والظفر بمنصب ثقافي والظفر بمحاضرات في هذه الدولة او تلك ونسج الامل في الحصول على تأشيرات دخول لهذا البلد او ذاك والتفكير بشراء أحدث الانماط من وسيلة الركوب وبناء عمارة جديدة وهكذا ان هذه السلسلة من المنى: الدار، السيارة، الوظيفة، السفر، التجارة، المحاضرات، المؤسسة الخ... تجسد ازمنة لتحقيقها ولكن تأريخها ينتهي بحادثة هي "الموت" بحيث تتحدد النهاية من جانب بنحو لا أمل بعده غير الموت او لا تتحقق البتة، اي: ان الموت يعصف بجميع ما حلم به الرجل من حصول السفر والمركب والموقع والمال الخ ...
اذن: صياغة الصورة القائلة بأن تأريخ آمال الانسان هي الموت تظل حافلة بما هو طريف وعميق مما يتحتم على الشخصية الواعية ان تتذكر الموت وان تقلص املها او سلسلة آمالها وان تتوسل بالله تعالى بالتوفيق الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.