نص الحديث
قال الامام الحسن (عليه السَّلام):استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول اجلك.
دلالة الحديث
هذا النص مع كونه يتردد مراراً علي السنة اهل البيت (عليهم السَّلام) الا أنه يتردّد بصياغته لصورتين متداخلتين متجانستين، كما سنوضح ذلك عند حديثنا في بلاغة النص، المهم، الحديث يشير بوضوح الي ضرورة ان نحسب لموتنا الف حساب وان نضع ذلك نصب اعيننا لأنه لا مناص من مواجهة ذلك، والنكتة هنا، هي ان الموت ليس مجرد نهاية حياة، بل هو بداية حياة في الواقع، لأن أول منازل الموت، هو مواجهته بقدر ما سلكناه من الطاعة وعدمها، بصفة ان نمط خروج الروح من حيث العسر او اليسر، ومن ثم مواجهة الملكين، ثم معايشة البرزخ، ثم الانبعاث، ثم الموقف والحساب ثم المصير الابدي، اولئك جميعاً تتطلب استعداداً اي: ممارسة للسلوك الذي رسمه لنا الاسلام في غمرة مهمتنا العبادية التي خلق الله تعالي الانسان من أجلها. ان الطاعة او التقوي فحسب هي: الاستعداد للموت ولا بديل عن ذلك، بيد ان الاستعداد أو ممارسة الطاعة وانعكاساتها علي مراحل الموت بالنحو الذي اوضحناه، قد تكفل الحديث الوارد عن الامام الحسن (عليه السَّلام) بذلك، حيث شطره الي قسمين، أولهما: عبارة (استعد لسفرك) والاخري (حصل زادك قبل حلول اجلك)، وهذان الموضوعان قد نسجهما الامام (عليه السَّلام) وفق صورتين بلاغيتين نعرض لهما الآن.
بلاغة الحديث
الاولي من الصورتين تقول (استعد لسفرك) وهذه الصياغة من الطرافة والعمق بمكان، حيث خلع الامام (عليه السَّلام) علي الموت طابع السفر من مكان الي آخر كل ما في الامر ان المكان الاول هو (مؤقت) والمكان الاخر هو (دائمي)، ومن الواضح ان الدائمي يحتاج الي تهيئة وسائل كثيرة تختلف عن السفر الوقتي، لذا يصبح الموقف بحاجة الي استعداد خاص، وهذا ما عبرت الفقرة الاولي من الحديث عنه. تري، ما هو هذا الزاد؟ لقد انتخب الامام (عليه السَّلام) (الزاد) اي الطعام دون سواه، لان العيش يتوقف علي الطعام، كما هو واضح فلا بد اذن من الزاد، ولكن كيف يتهيأ الزاد؟ الامام (عليه السَّلام) يقول (حَصِّلْ زادك)، أي اسع للحصول عليه، ومعني السعي للحصول، هو السعي او الممارسة العبادية التي أمرنا تعالي بها، اي الالتزام بأحكام الاسلام من خلال العمل بما هو واجب ومندوب، والترك لما هو حرام ومكروه، بل حتي المباح يتحول الي مندوب، سعياً للحصول علي الاحسن من الزاد، اذن، امكننا ان نتبين مدي جمالية وعمق الصورتين المذكورتين بالنحو الذي اوضحناه.