نص الحديث
قال الامام الحسن (عليه السَّلام): ما رأيت ظالماً اشبه بمظلوم من حاسد.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ننسبه الي الصورة التشبيهية، إلا ان التشبيه علي انماط، سواء اكان من حيث الأدوات او الدلالة: كما سنوضح.
إلا ان المستهدف من الحديث الآن هو: دلالته المتمثلة في التعريف بشخصية (الحاسد)، حيث وصفه (عليه السَّلام) بأبلغ سمة نفسية وهي: مقهورية او مظلومية الحاسد، حيث نعرف جميعاً بأن الحاسد هو: شخصية عصابية، وعدوانية وكارهة ومنغلقة علي منافعها البحتة، دون ان تنفتح علي الآخر، هنا يثار السؤال الآتي: ما هي الاستجابة الحاصلة من الحاسد حتي يشبهه (عليه السَّلام) بالمظلوم؟
استجابة الحاسد تتمثل اولاً في: احساسه بالحرمان قبالة ما يجده عند المحسود من الاشباع، ثم: مضاعفة احساسه بالحرمان المذكور حينما يتمني زوال النعمة عند المحسود، ولكن النعمة لم تزل: فيتضاعف الاحباط.
ثم ما ينعكس علي داخله من المرارة ومن التوتر، ومن القلق، ومن التبرم، ومن الضيق، اولئك جميعاً تترتب علي مشاعره بلا ادني شك ونتيجة هذه الاستجابة يتجه الي العدوان حتي تهدأ جوارحه الي حد ما، وإلا فلا هدوء له إلا بزوال النعمة عند المحسود. والآن نتجه الي بلاغة الحديث، فماذا نستلهم؟
بلاغة الحديث
الجواب: من البين ان الظالم او المنحرف او الشخصية العدوانية هي: من تتسم بصدور العدوان منها حيال الآخر، وبذلك تنسحب عليها سمة (الظالم) واما المظلوم فهو علي عكس الظالم، اي: من يقع عليه العدوان او الاذي، ولكن الامام الحسن (عليه السَّلام) قدم لنا تشبيهاً واقعياً من خلال عبارة هي (الحديث المتقدم) اي: ما رأيت مظلوماً اشبه من الحاسد ممن هو ظالم، بمعني: ان الظالم هو المصدر للعدوان، والمظلوم هو الواقع عليه العدوان، ولكن المعتدي يتحول الي معتد عليه بسبب كونه يعاني توترات وتمزقات واضطرابات وكراهية وحقداً وتدميراً للأعصاب: حينما يواجه محسوداً يتمتع بنعمة المال او نعمة الصحة او نعمة حسن الخلق، او نعمة التقدير الاجتماعي.
اذن هذه الانسحاقات الداخلية تجعل المراقب يشفق علي الحاسد كما يشفق علي اي: مظلوم يتمزق من أذي الظلم.