بسم الله والحمد لله الذي جعلنا من أهل التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين، كتابه النور المبين وأهل بيت مصطفاه محمد الأمين صلى الله عليه وآله الطاهرين.
- السلام عليكم أعزاءنا المستمعين.
- تحية من الله ملؤها الرحمة والبركات نهديها لكم أيها الإخوة والأخوات في مطلع لقاء اليوم في رحاب هدايات الثقلين.
- أيها الأطائب؛ إختار الله تبارك وتعالى أن تكون الآيات الخمس المبشرة للمتقين بالفلاح من أوائل الآيات في المصحف المبارك، فجعلها مطلعاً لسورة البقرة ثاني سور القرآن الكريم بعد سورة الحمد فاتحة الكتاب.
- ولعل من حكم هذا الترتيب فتح قلب تالي القرآن المجيد على التفكر في هذه الآيات لمعرفة صفات المتقين الذين هم على هدى من ربهم والذين هم المفلحون.
- ومعرفة هذه الصفات مقدمة وزاد المؤمن للتحلي بها والإنضمام لصفوف المتقين؛ وأولاها هي أنهم يؤمنون بالغيب، وقد عرفنا معناها من الأحاديث الشريفة، ونتناول في هذا اللقاء الصفة الثانية وهي أنهم يقيمون الصلاة.
- نستنير أولاً بأنوار الكتاب المبين الذي لا ريب فيه فنصغي بتدبر وخشوع لتلك الآيات الخمس من سورة البقرة حيث يقول عز من قائل:
" الم{۱} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{۲} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۳} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{٤} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{٥}
- صدق الله العلي العظيم، إذن فالصفة الثانية من صفات المتقين هي أنهم يقيمون الصلاة، فما معنى هذه الصفة؟
- نرجع الى هدايات الثقل الثاني وعدل القرآن الكريم، فنقرأ في تفسير الصافي للفيض الكاشاني رضوان الله عليه ما روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال:
- "يقيمون الصلاة" بإتمام وضوئها وركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها.
- وإقامة الصلاة بهذه الصورة هي التي تحصن المصلي من الشيطان وتحفظ حركته على الصراط المستقيم، لأنها تطهره من الرجس وكل ما يدعوه للإستجابة للشيطان ووساوسه؛ فقد روي في كتاب تهذيب الأحكام عن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال:
- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان على باب دار أحدكم نهر واغتسل في كل يوم منه خمس مرات، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء.. قالوا: لا، فقال صلى الله عليه وآله: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلما صلى صلاة كفرت ما بينهما من الذنوب.
- وروى ثقة الإسلام الكليني في الكافي مسنداً عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم، أي كبائر الذنوب.
- وروي في كتاب نهج البلاغة أن الإمام علي أميرالمؤمنين كان يوصي شيعته وأصحابه فيقول: تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها، وتقربوا [إلى الله] بها، فإنها لتحط الذنوب، وقد عرف حقها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زينة ولا متاع.. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر بها أهله ويصبّر عليها نفسه.
- وفي كتاب دعائم الإسلام للقاضي المغربي أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه كان يقول: أوصيكم بالصلاة التي هي عمود الدين وقوام الإسلام فلا تغفلوا عنها.
- ويستفاد من هذا الحديث الشريف أن إقامة الصلاة بالصورة المطلوبة هي التي يكون بها التدين السليم بالإسلام، ولذلك فهي تنهي عن الفحشاء والمنكر وفيها ذكر الله الذي فيه الخير كل الخير.
- أيها الإخوة والأخوات، ويستفاد من الأحاديث الشريفة أن عماد وأصل إقامة الصلاة وبالصورة المطلوبة هو التوجه القلبي لله عزوجل أثناء إقامتها وإستشعار المصلي أنه في محضر الله تبارك وتعالى قائم بين يديه يناجيه ويدعوه ويقر له بالوحدانية ويسمع كلامه عندما يتلو ما يتلوه من كتابه في صلاته؛ وهذا مل ينبهنا له حبيبنا المصطفى في الحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:
- أيما عبدي إلتفت في صلاته [أي غفل عن التوجه الى الله] قال الله: يا عبدي، إلى من تقصد وتطلب؟ أرباً غيري تريد؟ ورقيباً سواي تطلب؟ أو جواداً خلاي تبغي وأنا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأفضل المعطين، أثيبك ثواباً لا يحصى قدره. أقبل علي فإني مقبل، وملائكتي عليك مقبولين.
- ثم قال – صلى الله عليه وآله -: فإن أقبل زال عنه إثم ما كان منه، فإن إلتفت ثانية أعاد الله مقالته، فإن أقبل على صلاته غفر الله وتجاوز عنه ما كان منه، فإن إلتفت ثالثة أعاد الله له مقالته، فإن أقبل على صلاته غفر الله ما تقدم من ذنبه، فإن إلتفت رابعة أعرض الله عنه وأعرضت الملائكة عنه ويقول له: وليتك عبدي إلى ما توليت.
- مستمعينا الأكارم، على ضوء الحديث النبوي المتقدم تتضح علاقة هذه الصفة من صفات المتقين بالصفة الأولى أي الإيمان بالغيب، أي أن كلما رقى المؤمن بمعرفته بالله الى مرتبة أسمى وعرف عظيم حبه جل جلاله لعباده إرتقى بإقامته للصلاة الى مرتبة أسمى، روي في كتاب مسنداً عن الإمام الباقر عن جده الهادي المختار صلى الله عليه وآله قال:
- إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله عزوجل إليه وأقبل عليه حتى ينصرف، وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء، والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء، ووكل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له: أيها المصلي، لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما إلتفت ولا زلت من موضعك أبداً.
- جعلنا الله وإياكم مستمعينا الأكارم من مقيمي الصلاة والمقتدين بمحمد وآله صلى الله عليه وآله في حبهم لها إنه سميع مجيب.
- آمين.. اللهم آمين.. وبهذا نختم حلقة اليوم من برنامج من هدى الثقلين إستمعتم لها أيها الأطائب من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- شكراً لكم وفي أمان الله..