بسم الله وله خالص الحمد والثناء أن جعلنا من أهل لا اله الا الله كلمته الطيبة التي جعل شروط الدخول في حصنها التمسك بولاية صفوته الطاهرة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين وأهلاً بكم في ثالثة حلقات هذا البرنامج، نخصصها لبحث إستدلالي أورده الفقيه الورع آية الله السيد محمد تقي الإصفهاني في كتابه القيم مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم – عليه السلام –، وبين فيه حقيقة أن زيارة أولياء الله هي من عبادة توحيدية خالصة تعبر عن مراتب سامية من تقوى الله وتعظيم شعائره جل جلاله.
قال رضوان الله عليه في الجزء الثاني من كتابه المذكور: -
((إن المراد بشعائر الله تعالى بحسب ما استفدناه من التدبر في الايات والروايات وملاحظة معنى الشعار والإشعار، وتتبع موارد الاستعمال، هو كل شئ له انتساب خاص، وإضافة خاصة إلى الله عزوجل، سواء كان بلا واسطة أم بواسطة، بحيث يعد تعظيمه تعظيما لله، وتوهينه وتحقيره توهينا وتحقيرا لله عزوجل والعياذ بالله، بحسب الشرع والعرف كأسمائه وكتبه وأنبيائه وملائكته ومساجده وأوليائه وأهل الإيمان به، والأزمنة المخصوصة التي أوجب احترامها والبيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومواقف أوليائه، ومشاهدهم، ومعابدهم، وأحكام الله تعالى من الفرائض، وغيرها، وحدوده، والحج ومناسكه وأعماله.
ثم يتناول الفقيه الإصفهاني رد الشبهات على حصر شعائر الله بالقرابين التي تقدم في الحج كما في قوله عزوجل "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ" وفي هذه الآية دلالة على عدم انحصار الشعائر في البدن "كما توهمه بعض" لأنها تصرح بأن هذه القرابين هي (من) شعائر الله ومصاديقها وليست كل مصاديقها الكثيرة ثم قال – رضوان الله عليه –:
((ولا يخفى أن مواقف الأئمة ومشاهدهم ومعابدهم وملابسهم وذراريهم من تلك المصاديق، فإنها منتسبة إلى الله تعالى بالواسطة، أو بوسائط عديدة ألا ترى أن الله تعالى قد جعل البدن من شعائر الله، مع أنها تساق إلى البيت الحرام، الذي نسبه الله تعالى إليه فأي فرق بينها وبين مشاهد الأئمة (عليهم السلام) ومواقفهم، وذراريهم وما ينتسب إليهم فإنهم حجج الله وبيناته وهم أعز وأشرف من البيت الحرام. بل ورد في بعض الروايات أن المؤمن أعز من الكعبة المشرفة. ))
ووجهه أن الإيمان بالله تعالى أعز الأمور وأشرفها ولهذا قال الله تعالى "وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" في مقام بيان فضل تعظيم الشعائر تنبيها على أن تقوى القلوب أعظم الأمور وأشرفها وأنها مما يستغنى عن ذكر فضله وبيان علو مقامه وشرف منزلته عند الله عزوجل.
ثم عمد آية الله السيد الإصفهاني قدس سره الى بيان كون الزيارة من التوحيد الخالص حيث قال: إن الله وبعد بيان بعض من الأحكام في سورة الحج أمر بالتوحيد والإخلاص والتبري من الشرك بقوله" حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ " ثم نبه على نتيجة الإشراك وعاقبته بقوله" وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" . ثم نبه على علامة التوحيد والإيمان بقوله" وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ " تنبيها على أن علامة من خلص قلبه من الشرك وتحلى بزينة الإيمان، واستنار بنورالتوحيد،تعظيم شعائر الله وذلك لأن من أحب شيئا أحب كل ما يختص به، وينتسب إليه وهذا أمر مشاهد بالوجدان، مؤيد بالعقل والنقل فالمؤمن بسبب معرفته بالله تعالى وحبه له، يحب كل شئ يضاف وينتسب إليه تعالى بخصوصية يمتاز بها عما سواه ولهذا تتفاوت مراتب التعظيم والتوقير بتفاوت مراتب إيمان المؤمن وحبه وإخلاصه لله عزوجل وتفاوت مراتب الشئ المنتسب إلى الله تعالى في الخصوصيات والأسباب التي أوجبت انتسابه إلى الله واختصاصه به.
و يستطرد آية الله السيد الإصفهاني في إستدلاله على أصالة الصبغة التوحيدية لله عزوجل في زيارة أوليائه – عليهم السلام – قائلاً:
((فتحصل مما ذكرناه أن كل ما كان له انتساب خاص إلى الله تعالى أوجب شرفا له وكان من جملة شعائر الله وكان تعظيمه تعظيم شعائر الله، سواء كان انتسابه بلا واسطة، أو مع الواسطة، ومواقف الإمام ومشاهده من جملتها، فهي نظير المساجد التي تنتسب إلى الله تعالي، بسبب وضعها لعبادة الله عزوجل لكن هذا لا يستلزم المشاركة مع المساجد في جميع الأحكام، لأن الأحكام الخاصة التي وردت في الشرع لمكان خاص مخصوصة به لا يتعدى فيها إلى غيره إلا بدليل خاص.))
نعم يشتركان في كل ما يعد في العرف تعظيما وتوقيرا للمكان ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه في بيان معنى الشعائر لما ذكره بعض من التفسير بدين الله كله وبعض آخر بمعالم دين الله وبعض آخر بالأعلام التي نصبها لطاعته وبعض بحرمات الله وبعض بمناسك الحج.
لأن الظاهر من ملاحظة الأشباه والنظائر أن كلا منها ذكر لبعض المصاديق أو أظهرها والكل يرجع إلى ما ذكرناه وبيناه بتأييد الله وبركة أوليائه.
ثم ختم آية الله الفقيه الإصفهاني بحثه الإستدلالي في كتابه مكيال المكارم بقوله: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلا أنه قال: "" نحن الشعائر، والأصحاب" ولا يخفى أن المراد بقوله نحن إما رسول الله والأئمة أو الأئمة فإنهم أعظم شعائر الله وأفضلها ولا ريب في أن تعظيم ما ينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر الله فتعظيم ما يختص بهم وينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر الله وهذا واضح لا سترة فيه فقد ظهر بحمد الله رجحان تعظيم وتوقير كل ما ينتسب إلى مولانا الحجة المهدي –عجل الله فرجه – وكذا سائر الأئمة ويضاف إليهم بإضافة خاصة من مواقفهم ومشاهدهم وضرائحهم، وخطوطهم،وكتبهم، وملابسهم، وأحاديثهم وكلماتهم، وذراريهم وشيعتهم، وغير ذلك واستحباب ذلك مما لا مجال للتأمل فيه.
رزقنا الله وإياكم اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران توفيق التقرب اليه عزوجل بزيارة أحب الخلق إليه محمد واله الطاهرين تعظيما لأقدس شعائره جل جلاله.
وبهذا تنتهي ثالثة حلقات برنامج مزارات الموحدين. نشكر لكم جميل المتابعة والسلام عليكم ورحمة الله.