ومع صدور التقرير المذكور، شهد لبنان، الذي كان مسرحاً للاحتجاجات الشعبية ضد الأزمة الاقتصادية في الأيام الأخيرة، جدلاً جديداً يتمحور حول سعد الحريري.
جاء في تقرير "نيويورك تايمز" أن رئيس وزراء لبنان في عام 2013، عندما لم يكن يشغل منصب رئيس الوزراء، أهدى في متنزه في "جمهورية سيشيل" هديةً لعارضة الأزياء الإفريقية "كانديس فان دير ميروي" بمبلغ 16 مليون دولار.
وتابعت الصحيفة أن الحريري لم يرد على أسئلة الصحيفة حول دفع هذا المبلغ، وأكدت أن هذا السخاء من سعد الحريري يأتي في حين أن لبنان يواجه أزمةً اقتصاديةً في السنوات الأخيرة، كما توقفت أنشطة شركة الحريري العائلية "سعودي أوجيه" في عام 2017 بسبب المشكلات المالية.
وكانت عارضة الأزياء الإفريقية هذه قد قالت في جلسات المحكمة، إن هذا المبلغ كان هديةً ولم يكن يخضع للضريبة بموجب قانون جنوب إفريقيا.
وفي سياق الإجراءات القضائية اللاحقة، قالت إن سعد الحريري قد منحها هذا المال دون أي شروط ومن تلقاء نفسه.
ووفقاً للتقارير التي نشرت، فإن سعد الحريري أودع في البداية 15 مليون دولار في حسابها، ولكن بعد جلسات المحكمة ولكي تتمكن عارضة الأزياء الإفريقية من مقاضاة سلطات جنوب إفريقيا، أودع في حسابها مليون دولار آخر.
بعد هذا التقرير، والجدل الذي أثاره في لبنان ضد الحريري، تحدثت بعض وسائل الإعلام عن ضغوط أجنبية فضلاً عن ضغوط داخلية من داخل تيار المستقبل وقوى 14 آذار، لتنحي الحريري عن منصبه كرئيس للوزراء.
دور أمريكا في خلق الأزمات في لبنان
بدأ سيناريو خلق الدور السياسي الجديد في لبنان من قبل أمريكا والسعودية في عام 2015، عندما اقترح النائب الجمهوري "إدوارد رويس" فرض عقوبات على حزب الله، بهدف خلق الفوضى في لبنان.
وفي عام 2017 وعشية الانتخابات البرلمانية، كان من المفترض أن تؤثر العقوبات على البيئة السياسية والاقتصادية في لبنان، وقبل وقت قصير من سريان مفعول عقوبات أمريكا، احتجزت السعودية سعد الحريري وأجبرته على الاستقالة، تنفيذاً لسيناريو خلق العدو بين الحركات السياسية والحزبية اللبنانية بالطريقة الأكثر فعاليةً.
ولكن نتيجةً لوعي حزب الله وكذلك رموز أخرى مثل "نبيه بري" و"ميشال عون"، أحبطت هذه المؤامرة العربية الغربية ضد لبنان بجهد كبير.
ولكن استمر فرض العقوبات على الشخصيات والضغط الاقتصادي على لبنان بهدف خلق الانقسام والفرقة. ومع ذلك، بسبب تسييس الأداء السابق لتيار المستقبل والحريري، كانت السياسات الاقتصادية لهذا الحزب ضعيفةً في البداية، لكن في العام الماضي وفي مؤتمر باريس 4، اتُفق أن يحصل لبنان على 11 مليار دولار كقروض وهبات على مدى خمس سنوات.
مقدمات تلقي هذه المساعدة المالية التي تحل إلى حد كبير أزمة العملة في لبنان، تخضع إلى بعض الإصلاحات الاقتصادية، كما اتبع لبنان سياسات التقشف خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
قال سعد الحريري بالأمس إنه يجب اتخاذ قرارات جريئة لمنع انهيار الاقتصاد اللبناني، ثم انتقد بعض الانقسامات بين التيارات السياسية، وخاصةً الانقسامات الداخلية في تيار المستقبل، وأضاف: "كلما قمنا بإنجاز ما، يأتي من يهاجم هذا الإنجاز".
أسباب الهجمات الجديدة ضد الحريري
لقد توصلت أمريكا والسعودية والكيان الإسرائيلي على مدى الأعوام الثلاثة الماضية إلى تعريف مشترك لمصالحهم في لبنان، وبالطبع المحور الرئيس هو مصالح "إسرائيل"، كما هي الحال في صفقة القرن، وعلى الرغم من أنهم قد دعموا في فترات ما الحريري في الظاهر، إلا أنهم قد تخطوه أيضاً سعياً وراء أهدافهم ومصالحهم.
الحريري انتقد العقوبات ضد حزب الله في مؤتمر صحفي في أغسطس، ووصفها بأنها عديمة الجدوى، كما انتقد "إسرائيل" بشدة لمخالفتها القرار 1701.
وأدت مواقف الحريري هذه إلى ممارسة ضغوط هائلة عليه من قبل الأطراف الثلاثة، أي أمريكا والكيان الإسرائيلي والسعودية. ومع استمرار هذه الضغوط التي كانت تهدف لإجباره على الاستقالة، نفت مصادر إخبارية مقربة من الحريري أي نية له للاستقالة.
وخلال مؤتمر صحفي في سبتمبر، اعترف مرةً أخرى بقوة حزب الله، وقال: ليس خطئي أن حزب الله أصبح قوياً إلى هذه الدرجة، لكن القول بأن حزب الله هو من يدير الحكومة، فأنا لا أوافق، وأنا أقول نحن من يدير الحكومة.
وأثارت هذه التصريحات في أعقاب التوترات المتصاعدة بين لبنان و"إسرائيل" حول ترسيم الحدود، غضب المسؤولين الأمريكيين بشكل طبيعي.
لذلك وبالنظر إلى ما تقدم، وأن الحريري مصمم على التغلب على المشكلات الاقتصادية بمساعدة كل التيارات السياسية اللبنانية، فإن ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز يهدف إلى إجباره على الاستقالة وتأجيج الصراع الداخلي في لبنان، لأن هذه المعلومات مرتبطة بعام 2013 عندما لم يكن الحريري رئيساً للوزراء.
إن الكشف عن هذه الأنباء من قبل واحدة من أهم الصحف الأمريكية وأكثرها انتشاراً، يأتي في سياق مشروع القضاء على الحريري وتكثيف الاستقطاب السياسي داخل لبنان، وإثارة الاضطرابات في هذا البلد قبل إعلان صفقة القرن.