بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نوّرنا بالقران، وازكى الصّلاة على النّبي الهادي الى الرّضوان، وعلى اوصيائه امناء الرّحمان. اخوتنا الاعزّة المؤمنين، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، واهلا بكم في لقائنا الطيب هذا معكم، وايةٍ اخرى من ايات الله تعالى تشير الى فضيلةٍ اخرى من فضائل اهل البيت، ومنهم فاطمة الزهراء عليها وعليهم افضل الصلاة والسلام، الا وهي قوله عزّ من قائل مخاطبا رسوله الاكرم صلى الله عليه واله وسلّم: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"الاية الثانية والثلاثون بعد المئة من سورة طه،
يرى المفسّر المرحوم السيد محمّد حسين الطباطبائيّ في تفسيره (الميزان) انّ الاية مكّية، وعلى هذا فالمراد بقوله (اهلك) بحسب الانطباق على وقت النزول هم: خديجةُ زوجةُ النّبيّ صلى الله عليه واله، وعلي ابن عمّه عليه السلام. امّا القول بانّ اهله هم ازواجه واقرباؤه من بني هاشم، اوجميع متّبعيه من امّته، فقولٌ غير سديد. نعم، لا باس بالقول الاوّل وان يكون المقصود بـ (اهلك) هم اهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله من حيث جري الاية وانطباقها. اجل ايها الاخوة، وهذا ما سيتبين من خلال الروايات التي نقلها العامّة والخاصة، بعد هذه الوقفة القصيرة.
اخوتنا الاعزّة الاكارم، روى الحافظ السيوطيُّ الشافعيّ في تفسيره (الدرّ المنثور) في ظلّ اية التطهير المباركة، انّ رسول الله صلى الله عليه واله كان يمرّ بباب فاطمة رضي الله عنها اذا خرج الى صلاة الفجر وهويقول: "الصلاة يا اهل البيت الصلاة"، "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً". وروى الحافظ الدمشقيّ، ابن عساكر الشافعي باسناده عن ابي سعيد الخُدري انّ النبيّ حين نزلت الاية: (وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها) كان يجيء الى باب علي صلاة الغداة ثمانية اشهرٍ ويقول: (الصلاة رحمكم الله)، "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً". امّا الحاكم الحسكانيُ الحنفيّ، فيأتي بالخبر في كتابه (شواهد التنزيل) مسندا الى ابي الحمراء خادم النبي صلى الله عليه واله، حيث يقول : لما نزلت هذه الاية: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"، كان النّبي صلى الله عليه واله يأتي باب علي وفاطمة عند كلّ صلاةٍ فيقول: "الصلاة رحمكم الله"، "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ". وفي المصادر الخاصّة، نجد الشيخ الصدوق رضوان الله عليه يروي لنا في كتابه الفاخر (عيون اخبار الرضا عليه السلام) خبرا طويلا عنوانه: ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامّة استغرق اكثر من عشر صفحات، استدلّ فيه الامام الرضا عليه السلام في بياناتٍ شريفةٍ مباركة على جملةٍ من فضائل اهل البيت وخصائصهم، من خلال الايات الكريمة، كان من ذلك قوله سلام الله عليه: (وامّا الثانية عشرة، فقوله عزّ وجل: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"، فخصّصنا الله تبارك وتعالى بهذه الخصوصية، اذ امرنا مع الامّة باقامة الصلاة، ثمّ خصّصنا من دون الامّة، فكان رسول الله صلى الله عليه واله يجيء الى باب علي وفاطمةَ عليهما السلام بعد نزول هذه الاية تسعة اشهر كلَّ يومٍ عند حضور كلِّ صلاةٍ خمس مرّات، فيقول: الصلاة رحمكم الله). ثمّ قال عليه السلام: "وما اكرم الله احداً من ذَراري الانبياء بمثل هذه الكرامة التي اكرمنا بها وخصّصنا من دون جميع اهل بيتهم".
والان ايها الاخوة الاحبّة مع تعليقاتٍ ظريفةٍ نابهةٍ تحوم حول الاية الشريفة والروايات الواردة في ظلّها، فنقرأ مثلا للسيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان) ان تقييد الروايات بعدد الاشهر التي وقف فيها النّبي صلى الله عليه واله على باب فاطمة وعلي عليهما السلام مناديا عليهما بالصلاة وتالياً آية التطهير، انّما هو مبنيٌ على ما شاهده الراوي، لا على تحديد اصل اتيانه صلى الله عليه واله. ففي (امالي الصدوق) عن ابي الحميراء قال: شهدت النّبيَّ صلى الله عليه واله اربعين صباحا يجيء الى باب علي وفاطمة، فيأخذ بعضادتي الباب ثمّ يقول: السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمكم الله "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً".
وفي رواية القمّي في تفسيره، وهو علي بن ابراهيم القمّي: لم يزل صلى الله عليه واله يفعل ذلك كلَّ يومٍ اذا شهد المدينة حتّى فارق الدنيا. وفي تطبيق آخر للاية الكريمة، جاء في (الدّر المنثور) للسيوطيّ، و(المعجم الاوسط) للطبرانيّ، و(حلية الاولياء) لابي نعيم الاصفهاني، و(شُعَب الايمان) للبيهقيّ، عن عبدالله بن سلام، قال: كان النّبي اذا نزلت بأهله شدةٌ او ضيق، امرهم بالصلاة، وتلا: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ" قال السّيد الطباطبائي: روى هذا المعنى ابن حنبل في كتاب الزهد من مسنده، وابن ابي حاتم والبيهقيُّ في (شعب الايمان) عن ثابت، وفيه دلالةٌ على التوسّع في معنى التسبيح في الاية. وفي تعليقةٍ لبعض العلماء، يرون انّ اهل بيت النبيّ هم من كانوا في بيت علي، لا من كانوا في بيوت النّبي وحجراته، وذلك بينٌ من خلال تطبيق رسول الله صلى الله عليه واله للاية المباركة: (وامر اهلك بالصّلاة)، هذا وانّ التّاكيد لم يكن على الصلاة، فالامام علي وفاطمة الصدّيقة والحسن والحسين صلوات الله عليهم هم اسمى وعياً من ان يذكّروا بالصلاة، وانّما كان ذلك تنبيها للامّة انّ بيت فاطمة هو بيت النّبيّ، وانّ اهل هذا البيت هم اهل بيت النبيّ لا غيرهم، وانّهم دون غيرهم قد اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.