بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله آناء الليل والنهار، وأتمّ الصّلاة والسّلام على النبي المصطفى المختار، وعلي آله الأئمة الهداة الأبرار. السلام عليكم إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في لقاءٍ آخر، وآيةٍ أخري، هي آية علمٌ في كتاب الله العزيز، حتّي كان لها أسمٌ مشهور، فعرفت بـ (آية التطهير). تلك قوله تبارك وتعالي: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً"(سورة الأحزاب الآية ۳۳)، وهي الآية الثالثة والثلاثون من السورة الثالثة والثلاثين، سورة الأحزاب الشريفة وقد تضمنت معنيً عظيماً بل معاني عظيمةً توقف المسلم الحريص علي دينه وآخرته على شأنٍ مهمّ وهو: من يكون نبيه الذي يتبعه؟ ومن يكون إمامه بعد نبيه؟ ومن هم أهل بيت نبيه؟ وما هي مقاماتهم وخصائصهم وفضائلهم ومناقبهم؟ ليعلم من أولي أن يأخذ عنهم دينه، تفسيراً لكتاب الله، وترجمةً واقعيةً لسنن رسول الله، وبياناً لشرائع دين الله، وتمثُّلاً لأخلاق الله جلّ وعلا.
أمّا الرّجس أيها الإخوة الأفاضل، فهو اسمٌ لكل ما يستقذر، منفور عنه. أو هو النجس، مادّياً كان أو معنوياً، والطّهارة عكسه. وفي آية التطهير أمور ملفتةٌ للغاية، فقد جاء فيه فعلٌ مضارع يوحي بالاستمرار كما يشير إلي الإرادة الإلهية مقروناً بأداة الحصر: (إنّما يريد)، وهو استعمال قرآني فريد ينتظر بعده أمر خطير، فماذا يريد الله جل وعلا وهو المريد الحكيم القوي العظيم؟ يريد أن يذهب الرجس، كلّ رجس من أي شكل أو نوع من أشكال الرجس وأنواعه مادّياً كان أو معنوياً، بدنياً كان أو روحياً قلبيا أو نفسيا أو ضميريا أو أخلاقيا، أيا كان ذلك الرجس إذهابا كاملا لا يبقي معه عين أثر بالدفع لا بالرفع، أي قبل أن يصل ذلك الرجس أو يمسّ أو يعلق أو يقترن! لتبقي الطهارة أصلا وذاتا لم تلوث. عمن يا تري انحصرت تلك الإرادة الإلهية في إذهاب الرجس والتطهير تطهيراً كاملاً مطلقاً؟ الجواب صريح في الآية، حتّي أنّ العناية الربانية توجهت اليهم بالخطاب المباشر، فقال الله جل جلاله لهم: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ" أي: أنتم يا أهل بيت حبيبي محمد أنتم، مخاطباً إياهم، أنتم الذين أردت وأريد وأنا الله المريد العالم القادر العظيم، وأبقي أريد إذهابا للرجس عنكم أنتم وأطهركم تطهيرا كاملا مطلقا لا نقص فيه إلي درجات العصمة العظمي والنقاء الأمثل والطهر الأكمل والصفاء الأشمل، فمن يا تري أولئك الذين بلغت عناية الباري سبحانه تبارك وتعالي أن يحصر إرادته الحكيمة ومشيئته العظيمة في إذهاب الرجس عنهم معاهداً لهم ومخاطباً إياهم ومتعهداً علي إذهاب الرجس وإحكام التطهير معاً علي نحو من التأكيد العجيب، في آيةٍ محكمةٍ لا نظير لها ولا شبيه؟!
في (صحيح مسلم) عن عائشة: خرج النبي صلي الله عليه وآله غداة غد وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌ فأدخله، ثم قرأ صلي الله عليه وآله: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً". أخرجه الحاكم في (المستدرك) والجوينيُّ الشافعي في (فرائد السمطين) والقندوزي الحنفّي في (ينابيع المودّة) والحسكاني في (شواهد التنزيل)، وغيرهم. فيما روي الترمذي في (سننه) عن عمر بن أبي سلمة، أنّ الآية نزلت في بيت أمّ سلمة فدعا النبي علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساءٍ ثمّ قال: (اللهم هؤلاء أهل أهل بيتي فأذهب عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً). فسألته أم سلمة: يا رسول الله وأنا معهم؟ فأجابها: أنت مكانك وانت الى خير. اي لم يأذن لها ان تكون معهم، لانها لم تكن من اهل بيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا، مع ان ام سلمة كانت افضل زوجاته صلى الله عليه وآله بعد امّ المؤمنين خديجة عليها السلام، وكانت الى خير، كما عبر رسول الله صلى الله عليه وآله، ولعل تلك اشارة الى حسن عاقبتها، وانباء مبكر لحالها. وفي رواية اخرى للترمذي عن ام سلمة: ان النبي صلى الله عليه وآله قال في اهل بيته بعد ان جللهم بكسائه: اللهم هؤلاء اهل بيتي، وخاصتي، اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت ام سلمة: وانا معهم يا رسول الله؟ فاجابها بصريح العبارة: قفي مكانك! انك الى خير. روى ذلك ايضاً ابن المغازلي الشافعي في (مناقب علي بن ابي طالب)، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والطبراني في (معجمه). فيما روى الحبريّ في تفسيره في ظل آية التطهير، عن ام سلمة: ان رسول الله قال في دعائه المبارك: (اللهم هؤلاء اهل بيتي، وحامتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فسألته ام سلمة: يا رسول الله، وانا معهم؟ فاجابها: انت زوج النبي وأنت علي خير، أو وأنت الي خير. وفي رواية الحافظ أبي نعيم في (النور المشتعل) أن ام سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين. وفي رواية أخرى: وفي البيت سبعة: جبرئيل وميكائيل ورسول الله وعلي والحسن والحسين وفاطمة، وأنا علي باب البيت فقلت: يا رسول الله، الست من أهل البيت؟ فقال: أنت علي خير إنّك من أزواج النبي، قالت مخبرةً: وما قال: إنّك من أهل البيت. روي ذلك أيضاً: ابن الأعرابي في (معجم الشيوخ)، والحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) والشيخ الصدوق في (أماليه) والطّحاويّ في (مشكل الآثار) وغيرهم.
وفي الذي أوردناه إخوتنا الأحبّة، كفاية لمعرفة من هم أهل البيت أولاً، وثانياً، للتأكد من أنه لا يجوز إشراك غيرهم معهم في آية التطهير سواء كان ذلك الغير أقرباء النبي أو أزواجه، صلى الله عليه وآله. ولنا معكم لقاءٌ آخر إن شاء الله تعالي فيه تتمة حديثنا هذا، الي ذلك الحين، نستودعكم الله ونرجو لكم أطيب الأوقات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.