البث المباشر

توظيف الألوان في الصور الاستعارية

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 07:50 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- على خطى النهج: الحلقة 9

إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
تحيّة الإيمان والإسلام نبعثها إليكم ونحن تغمرنا البهجة والسرور لتجديد اللقاء بكم عبر هذه المحطّة الأخري من برنامجكم علي خطي النهج والتي سنواصل الحديث فيها عن الصور الاستعاريّة وبراعتها في نهج البلاغة ، ندعوكم لمتابعتنا .
أحبّتنا المستمعين !
كان حديثنا يدور في الحلقة الماضية من البرنامج عن توظيف الإمام عليّ عليه السلام للألوان في رسم وتزيين صوره الاستعاريّة ، حيث سنواصل استعراض هذا الجانب من استعاراته سلام الله عليه متطرّقين إلي جوانب أخري في فقرات البرنامج اللاحقة ، فمن الألوان الأخري التي استعان بها (ع) اللونُ الأحمر الذي يعتبر اللون الأوّل الذي عرفه الإنسان في الطبيعة والذي ينتمي إلي مجموعة الألوان الحارّة والمتوالية والذي يصدر من تلألؤ الشمس و اتّقاد النار والحرارة . علماً أنّ معظم تعابير اللون الأحمر في اللغة العربيّة ، مقترنة بالمشقّة والشدّة و أُخذت في الاستخدامات الجديدة من لون الدم .
ولم يكن العرب في العصر الجاهلي يميلون إلي اللون الأحمر . وعلي سبيل المثال فإنّ تعبير السنة الحمراء يعني سنة الجفاف، و الموت الأحمر هو أسوأ أنواع الموت ، والريح الحمراء تعني أسوأ أنواع الريح . واللون الأحمر في نهج البلاغة يقترب كثيراً من مفهومه ودلالته في الجاهليّة . وقد استخدم هذا اللون عدّة مرّات في خطب نهج البلاغة وهو في أغلب المواضع استعارة للموت والمرض كقوله عليه السلام في الخطبة الثالثة والسبعين متنبّئاً بما سيجري للأمّة بعد حكم الخليفة الأمويّ مروان :
وَ هُوَ أَبُو اَلْأَكْبَشِ اَلْأَرْبَعَةِ وَ سَتَلْقَى اَلْأُمَّةُ مِنْهُ وَ مِنْ وُلْدِهِ يَوْماً [ مَوْتاً ] أَحْمَرَ
فاليوم أو الموت الأحمر كناية عن الحرب والقتل وسفك الدماء علي نطاق واسع .
مجري : نستمع الآن - إخوتنا المستمعين الأكارم - إلي الإجابة التي تفضّل بها خبير البرنامج علي الهاتف الأستاذ حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة ردّاً علي سؤال طرحناه عليه حول الألوان الأخري التي وظّفها أمير المؤمنين سلام الله عليه في استعاراته ، فلنصمع معاً :
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله
حينما نتحدث عن بيانات الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه تظهر لنا عدة صور للإستعارة يستعملها الامام امير المؤمنين في خطبه، معظم ما يستعيره الامام هو غالباً من القرآن، حينما نمر بآية كشاهد او كمثال أستشهد له، مثلاً القرآن يقول "الذي أنشأكم في ظلمات ثلاث" الامام على ضوء هذه الكلمة يأخذ هذا المعنى ويستعيره ويتحدث في خطبة مفصلة "أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام وشغف الأطفار نطفة دهاقاً وعلقة محاقاً". او حينما نمر بآية تتكلم عن الظواهر الكونية، الامام على ضوءها يستعير المعاني من القرآن ولكن ينشأها بخطبة بحسب بيانه الرائع وفي مكانة الألفاظ التي كان سلام الله عليه يخاطب بها الانسانية بكل طبقاتها وعلى المدى البعيد. من ينسجم مع نهج البلاغة ومع خطب الامام امير المؤمنين ومع كلماته القصار ومع رسائله التي كتبها الى ولاته وغيرهم يلاحظ أن ۸۰ او ۷۰% من نسبة الاستعارات ينتزعها الامام سلام الله عليه من القرآن الكريم.
المحاور: موفور الشكر وكثير الامتنان لفضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة كان معنا ضمن برنامج على خطى النهج من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ومن الألوان وعالمها الخلّاب ودورها في رسم الصور الاستعاريّة ، ننتقل إلي الأصوات التي ما هي إلّا أمواج محسوسة تنطلق في الفراغ لتزول بعد فترة قصيرة في حين يبقي البعض منها في الأذن بسبب شدّة تردّده ويقترن بدلالات من مثل الفرح و الحزن والنهي والأمر وغير ذلك . وقد كان العرب يؤمنون بوجود علاقة بين الأصوات والألفاظ ؛ لأنّ موسيقي الكلمات وإيقاعاتها المختلفة تقترب وتتجانس عند أدائها مع مع نوع الفعل والاسم ، ولبعض الألفاظ خصوصيّة وصفيّة بمعني أنّ واضع هذه الكلمات راعي في وضعها مداليلها فهي قابلة للإدراك بالحواس ، من مثل النهيق و الصَّلصَلة لصوت ارتطام السيوف مع بعضها البعض ، و الخرير و الزمهرير لشدّة البرد وغير ذلك .
والأدباء و كبار البلغاء العارفون بمواضع الكلام يزيّنون كلامهم بأصوات متناسبة ومتجانسة مع المعاني من أجل ضمان أكبر قدر من التأثير لكلامهم .
يقول الإمام عليه السلام في الخطبة الثالثة والثمانين بعد المائة في وصف الصالحين والمؤمنين :
" ... وأكرمَ أسماعَهم أن تسمعَ حسيسَ نارٍ أبداً ... .
والحسيس في العبارة السابقة هو الصوت الخفيف و الخفيّ ، حيث استخدم عليه السلام هذا النوع من الأصوات لتجسيد الهول والرعب الذي تثيره النار في الأذهان وإفادة معني ابتعاد المعنيّين بالكلام عن النار ، ويذكّرنا استخدام الحسيس في هذه العبارة ودلالتها الصوتيّة بدلالتها في سورة الأنبياء حيث يقول - تعالي - : " لايسمعون حسيسَها وهم في ما اشتهت أنفسُهم خالدون .
وفضلاً عن هذا النوع من الدلالات الصوتيّة ، فإنّ من عوامل إيجاد التحرّك في الكلام وصور الخيال ، استخدامُ الأصوات وخاصة الأصوات التي تحفل بها الطبيعة ومنها أصوات الحيوانات والإنسان والريح والمطر و الأنهار حيث تضفي هذه الأصوات أجواء من نوع خاص علي الصور الاستعاريّة ، وهو - أي دور الأصوات في نهج البلاغة في بناء ورسم الصور الاستعاريّة - ماحدثنا عنه ضيفنا سماحة السيد حسن الكشميري من مدينة قم المقدسة فلنستمع معاً الى حديثه .
الكشميري: طبعاً كلام الامام امير المؤمنين سلام الله عليه تصوره الذهنية المنفتحة التي تنسجم بالمعاني التي كان يطرحها امامنا امير المؤمنين سلام الله عليه. والعقلية في ذلك المجتمع لم تكن منسجمة مع ما كان يطرحه امير المؤمنين لذلك البعض راح يميناً والآخر راح شمالاً، مثلاً الامام تحدث بخطبة خالية من النقطة او تحدث بخطبة خالية من الألف واللام، هذه الصور بهذه الطريقة لم تكن مألوفة ولم تكن عقول اولئك تهضم هذا المعنى فراح قسم منهم وإنحدر بمنحدر خطير وهو يتهم الامام علي بالكذب وهو ما أفصحه كاذباً بقوله، لذلك الامام في بعض خطبه يعلق على هذا " أتقولون علي يكذب؟ علام أكذب على الله وأنا أول من آمن به أم على رسوله وأنا اول من صدقه؟". وفريق آخر بالعكس راح صعوداً الى أكثر من اللازم وهو يصف الامام امير المؤمنين نعوذ بالله بصفة اللاهية فقالوا إن الجمال الإلهي حلّ في علي فهو الله. هذه الصور التي طرحها الامام امير المؤمنين صلوات الله عليه أراد أن يفتح آفاقاً جديدة للبيان وللمصطلحات وأراد أن يفهم الأمم والأجيال بأن اللغة العربية الأصيلة لاهي اللغة التي يتعامل بها هؤلاء وإنما اللغة الأصيلة هي التي طرحها القرآن الكريم وعلى ضوءها الامام امير المؤمنين سلام الله عليه أعاد تلك الصور من جديد ولكن على هيئة خطب وعلى هيئة بيانات لذلك كان الامام سلام الله عليه دائماً يستعمل ما نسميه نحن بالسجع او بالنثر، مثلاً في كلماته القصار صلوات الله وسلامه عليه "أمنن على من شئت تكن اميره، وإستغن عمن شئت تكن نظيره، وإحتج الى من شئت تكن اسيره" وأحياناً يضمن الامام امير المؤمنين الكلمة الواحدة عدة معاني بحركة اعرابية فيقلب المعنى تماماً وهذا جزء من صور البلاغة الرائعة التي إنتزعها الامام امير المؤمنين من القرآن الكريم مثلاً قوله سلام الله عليه "خير البلاد لك ما حملتك لا ما حمّلتك" فنلاحظ أن الامام يطرح هذا المعنى البليغ من خلال شدة وهي اشارة بسيطة يقلب المعنى تماماً من حملتك الى حمّلتك. وهكذا نمر بهذه النقاط والملاحظات المهمة لنرى أن ساحة التقارب بين خطب الامام امير المؤمنين والآيات القرآنية ساحة قريبة جداً وهذا يعيدنا من جديد الى أن الامام امير المؤمنين إنسجم مع القرآن الكريم خلال ربع قرن من هبوط اول آية على النبي الى آخر آية نزلت ورأس النبي على صدر الامام علي بن أبي طالب لذلك الامام كان يؤكد على هذا بأن لاأحد من القريب والبعيد والصحابة اعرف بمضامين القرآن كما يعرفها هو صلوات الله وسلامه عليه.
المحاور: موفور الشكر وكثير الامتنان لسماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة.
مستمعينا الأفاضل !
وحينما تتّجه أفكار الإمام وصوره القويّة نحو الألفاظ ، فإن هذه الألفاظ لا تجد بدّاً من الانقياد إليه ، فقد ملك عليه السلام أزمّة الكلام حتّي نراه يُلبس الألفاظ من المعاني مايريد ويشاء وبأي أسلوب يختاره فيضفي عليها ظاهراً جميلاً جذّاباً بما يتناسب مع الدلالات الدقيقة والتناغم بين الأصوات والصور ، فهو ليس بحاجة إلي التكلّف والتصنّع ، وإذا بنا نري في كلماته وخطبه أجمل التراكيب والعبارات والصور ، فلنتأمّل مثلاً قوله في الخطبة الخامسة :
الكشميري: طبعاً كلام الامام امير المؤمنين سلام الله عليه تصوره الذهنية المنفتحة التي تنسجم بالمعاني التي كان يطرحها امامنا امير المؤمنين سلام الله عليه. والعقلية في ذلك المجتمع لم تكن منسجمة مع ما كان يطرحه امير المؤمنين لذلك البعض راح يميناً والآخر راح شمالاً، مثلاً الامام تحدث بخطبة خالية من النقطة او تحدث بخطبة خالية من الألف واللام، هذه الصور بهذه الطريقة لم تكن مألوفة ولم تكن عقول اولئك تهضم هذا المعنى فراح قسم منهم وإنحدر بمنحدر خطير وهو يتهم الامام علي بالكذب وهو ما أفصحه كاذباً بقوله، لذلك الامام في بعض خطبه يعلق على هذا " أتقولون علي يكذب؟ علام أكذب على الله وأنا أول من آمن به أم على رسوله وأنا اول من صدقه؟". وفريق آخر بالعكس راح صعوداً الى أكثر من اللازم وهو يصف الامام امير المؤمنين نعوذ بالله بصفة اللاهية فقالوا إن الجمال الإلهي حلّ في علي فهو الله. هذه الصور التي طرحها الامام امير المؤمنين صلوات الله عليه أراد أن يفتح آفاقاً جديدة للبيان وللمصطلحات وأراد أن يفهم الأمم والأجيال بأن اللغة العربية الأصيلة لاهي اللغة التي يتعامل بها هؤلاء وإنما اللغة الأصيلة هي التي طرحها القرآن الكريم وعلى ضوءها الامام امير المؤمنين سلام الله عليه أعاد تلك الصور من جديد ولكن على هيئة خطب وعلى هيئة بيانات لذلك كان الامام سلام الله عليه دائماً يستعمل ما نسميه نحن بالسجع او بالنثر، مثلاً في كلماته القصار صلوات الله وسلامه عليه "أمنن على من شئت تكن اميره، وإستغن عمن شئت تكن نظيره، وإحتج الى من شئت تكن اسيره" وأحياناً يضمن الامام امير المؤمنين الكلمة الواحدة عدة معاني بحركة اعرابية فيقلب المعنى تماماً وهذا جزء من صور البلاغة الرائعة التي إنتزعها الامام امير المؤمنين من القرآن الكريم مثلاً قوله سلام الله عليه "خير البلاد لك ما حملتك لا ما حمّلتك" فنلاحظ أن الامام يطرح هذا المعنى البليغ من خلال شدة وهي اشارة بسيطة يقلب المعنى تماماً من حملتك الى حمّلتك. وهكذا نمر بهذه النقاط والملاحظات المهمة لنرى أن ساحة التقارب بين خطب الامام امير المؤمنين والآيات القرآنية ساحة قريبة جداً وهذا يعيدنا من جديد الى أن الامام امير المؤمنين إنسجم مع القرآن الكريم خلال ربع قرن من هبوط اول آية على النبي الى آخر آية نزلت ورأس النبي على صدر الامام علي بن أبي طالب لذلك الامام كان يؤكد على هذا بأن لاأحد من القريب والبعيد والصحابة اعرف بمضامين القرآن كما يعرفها هو صلوات الله وسلامه عليه.
المحاور: موفور الشكر وكثير الامتنان لسماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة.
" هَيهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيا وَ الَّتِي وَ اللَّهِ لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ‏ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّه بَلِ اِنْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمْ اِضْطِرَابَ اَلْأَرْشِيَةِ فِي اَلطَّوِيِّ اَلْبَعِيدَةِ المفاخرة .
فنحن إن سعينا لأن نشبّه حبّ الموت والتعلّق به بشيء أفضل ممّا اختاره أمير المؤمنين (ع) وهو شوق الرضيع إلي لبن أمّه ، لَما وجدنا مشبَهاً به أفضل ممّا اختاره عليه السلام وإن أردنا أن نشبّه اضطراب وقلق الشخص الذي يقف أمام أسرار علمه عليه السلام ، فلربّما عجزنا عن أن نجد شيئاً أفضل ممّا ذكره الإمام (ع) والذي يمثّل ظاهرة كان يعرفها العرب في عصره وهي الاضطراب والاهتزاز المتكرّر للحبل المتدلّي في داخل بئر عميقة كي يُستَخرَج به الماء !
ويقول الإمام سلام الله عليه في الدنيا :
" من أبصرَ بها بصَّرتهُ ، ومَن أبصرَ إليها أعمته ... .
فنحن في هذه العبارة أمام تعبير بليغ ونافذ في نفس الوقت و يبعث علي التأمّل ، حيث يقول الشريف الرضيّ في تفسير هذه العبارة إنّ من يتأمّل في عبارة من أبصر بها بصّرته يصل إلي معني عجيب وغرض بعيد لا يمكن بلوغ نهايته والغوص في أعماقه . خاصة أنّ عبارة ومن أبصر إليها أعمته هي قرينته ، ومن خلال الدقّة فيها يتضح وينكشف الفرق بين أبصر بها و أبصر إليها ؛ فالجملتان في هذه العبارة القصيرة ذكرتا متقابلتين ومتقارنتين ، حيث يوضح كلّ منهما مفهوماً مختلفاً و يعبّران عن وجهين يمكن التعامل من خلالهما مع الدنيا . فالدنيا - حسب الوجه الأوّل - وسيلة للرؤية والبصيرة وهي توصل طالبي البصيرة إليها ، والدنيا - وفق الوجه الثاني - مطلوبة بل هي غاية الطالبين وفي هذه الحالة تحرم الدنيا طالبيها من اكتساب البصيرة .
إنّ مثل هذه الرؤية الثاقبة التي تموج بها الصور التي رسمها الإمام عليه السلام ، تمثّل خطوة كبيرة من أجل إضفاء الحياة علي المشاهد وتحريكها وضخّ الحيويّة فيها .
مستمعينا الأكارم !
أنتم علي موعد معنا في الحلقة القادمة بإذن الله من برنامجكم علي خطي النهج لاستعراض أسلوب آخر من الأساليب البلاغية التي وظّفها الإمام عليه السلام في نهج بلاغته ألا وهو أسلوب المجاز والكناية ، فحتّي ذلك الحين نترككم في رعاية مَن علّم الإنسانَ البيان ، وإلي الملتقي .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة