(منطق الطير)، ملحمة صوفية وعرفانية شهيرة هي من نوع الحكايات التمثيلية، والادب القصصي الرمزي الذي توسل به الادباء الايرانيون في الدعوة الى مبادئهم العرفانية والاخلاقية.
ويمكننا تسمية هذه المنظومة المثنوية بـ (ملحمة الطيور) لانها تدور حول سفر الطيور بزعامة الهدهد، وكفاحها في اجتياز الوديان السبعة للوصول الى طائر السيمرغ بجبل قاف، وفنائها فيه، فأصبحت هي هو، وهو هي وظفرت بالبقاء عن طريق الفناء.
وقد مثل العطار بهذه القصة لسيرة اهل العرفان، ورياضتهم الشاقة في طي طريق الكمال الانساني للوصول الى كنه الحقيقة بالفناء في ذات المحبوب الاسمى، وما يتطلبه هذا الطريق من جهد كبير، وجلد بالغ للتغلب على مصاعبه الجمة، واجتياز مراحله السبع التي يعبر عنها المتصوفة بالمقامات السبعة.
واولها: مقام الطلب، لان المريد لايمضي فيها قدماً ما لم يطلب طريق الكمال.
وثانيها: مقام العشق اذ يتحتم عليه الحبّ ليسلك طريق الوصال.
وثالثها: مقام المعرفة.
والسالكون للطريق مختلفون من حيث البصر والمعرفة، وكل منهم يتخير لطريق الذي يؤهله له عزيمته واستعداده، فهذا يسلك طريق القبلة، وذاك يتخذ طريق الصنم، ومن كل مائة الف سالك يهتدي، ومقام كل امرئ بقدر معرفته...
ورابع: مقامات طريق الوصول الى الكمال الانساني هو مقام الاستغناء ولا يصل اليه الا عارف حكيم يئس من الدنيار واهلها في سبيل بلوغ مقصوده الاسمى، ذلك لان العارف البصير يرى الدنيا كنقش على لوح من الطين سرعان ما يتحطم فيزول معه.
وخامسها: مقام التوحيد، فاذا وصل العارف الى هذا المقام رأى الوحدة كامنة في مظاهر الكثرة، وشاهد الله تعالى في كل شيء، فيصبح كل وجود ظاهري لديه عدماً الى جانب واجب الوجود الذي منه وجود كل شيء.
وسادسها: مقام الحيرة، ويجب ان يبلغه كل عارف، ويطوي اليه وادي الوَلَه والدهشة، وفي هذا المقام يقف المرء على قصور معارفه وجهله فيذهل حتى عن وجوده.
اما المقام السابع: والاخير فهو مقام الفناء، وفيه تزول عن المرء كل شهواته وغروره، وانانيته، او - بعبارة اخرى- يفقد ذاته، ويصبح جزء من عالم الوحدة ووتراً متناغماً مع سائر اوتاره، ويصل بهذا الفناء الى البقاء.
يبدأ الشيخ فريد الدين العطار القصة بالحديث عن صفة الطيور فيرحب بالهدهد قائلا:
(مرحباً ايها الهدهد الهادي، ورسول كل واد
يا من سيرك الى سبأ حثيث، ومنطقك مع سليمان جميل
احبس الشيطان في القيد والسجن
لتصبح كسليمان صاحب سرّ).
ويسترسل العطار بعد ذلك في سرد مناقب الهدهد، ويخاطب كل طير من الطيور الاخرى، ويمضي في ذلك الى آخر المقالة الاولى.
وفي المقالة الثانية تجتمع الطيور في ندوة عامة للتشاور في تنصيب ملك عليها فيقول الهدهد: لقد عرفت ملكنا، ولكن كيف الذهاب اليه وحدي، وليس هذا في مقدوري؟
ثم يطلب الهدهد الى الطيور السير معه الى ذلك الملك وهو السيمرغ واصفا اياه بانه قريب للغاية منها، في حين انها بعيدة عنه، ثم يتحدث بعد ذلك عن ابتداء امر السيمرغ.
على ان الطيور لم تكن كلها على استعداد للمخاطرة بالسير معه في هذه المرحلة فقام البلبل يعتذر بعبارات منها:
(انني مستغرق في عشق الوردة بحيث ذُهلت عن وجودي
يكفي ان تكون الوردة الجميلة معشوقي
فلا طاقة لبلبل بالسيمرغ
بل يكفيه ان يعشق وردة).
وهنا يردّ عليه الهدهد قائلا:
(انّ عشق محيّا الوردة أذلّكَ كثيراً
واثّر فيك، ووضع من شأنك
لئن كانت الوردة بالغة الحسن والجمال
فان حسنها يزول في اسبوع
انّ عشق شيء مآله الزوال
يجلب السأم لأهل الكمال).
وازاء طلب الهدهد تعتذر سائر الطيور ايضا ومنها الببغاء حيث يقول محاولاً التملص من تلك المسؤولية:
(انا خضر الطيور، ولذلك فأنا أخضر الكساء
كي استطيع ان اشرب ماء الخضر
لااستطيع حولاً لدى السيمرغ
تكفيني شربة من عين الخضر).
فيجيبه الهدهد معنفا اياه، وواصفا له بالسطحية، وعدم الاستعداد للتضحية في سبيل الحبيب:
(انت تريد ماء الحياة حبّاً للحياة
فاذهب، فأنت لا لب لك، بل انت قشر
بماذا ستنفعك الروح ان لم تنثرها في طريق الحبيب كالرجال؟).
وبما يشبه تلك العبارات اعتذرت ايضا جملة من الطيور ومنها الطاووس، والبطّ، والحجلّ، والصقر، ومالك الحزين، والبوم، قائلة:
(انه سليمان، ونحن نملٌ مستوّل
فانظر اين هو، واين نحن؟!
انّى للنملة المقيدة في وسط الجبّ
ان تصل الى غبار السيمرغ العالي
كيف يتسنى ذلك لسواعد امثالنا
ومتى يكون الملك صديقاً لشحّاذ؟!).
ويجبيها الهدهد اجابة مقنعة مفحمة تضطر معها الطيور الى الموافقة على اقتراحه والسير معه، وكان مما اجابها به الهدهد:
(ايتها الطيور المتسوّلة حتّام هذا الهراء؟
لايستقيم العشق مع الجبن
فكلّ من فُتحت له عينٌ في العشق
جاء راقصاً ومخاطرا بالروح
فاعلمي ايتها الجاهلة ان صور طيور العالم من اوله لآخره هي ظل السيمرغ اعرفي هذا، فان عرفيته بدءً، انتسبت الى تلك الحضرة نسباً صحيحاً).
*******