البث المباشر

حكاية عن الالطاف الخفية من كتاب سديد الدين العوفي

السبت 21 سبتمبر 2019 - 14:26 بتوقيت طهران
حكاية عن الالطاف الخفية من كتاب سديد الدين العوفي

 

مستمعينا الافاضل، سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، واسعد الله اوقاتكم بكل خير وبركة.
مع جولة جديدة تجمعنا بكم عند عيون وروائع التراث الايراني من خلال برنامج (عبارات واشارات)، آملين ان تمضوا معنا دقائق مفيدة وممتعة.
من الحكايات والقصص الطريفة التي يرويها (سديد الدين العوفي) في كتابه (جوامع الحكايات ولوامع الروايات) حكاية اوردها المؤلف لاثبات الطاف الله تعالى الخفية في عباده، وحكمه التي قد لايستطيع الانسان ان يدركها بادئ ذي بدء.
فقد يتعرض الانسان في بعض الاحيان لامر ظاهره سوء، فيضجر من هذا الامر، ويضيق ذرعاً به، ويصيبه الجزع واليأس من رَوْح الله جل وعلا، الا انه سرعان ما يكتشف فيما بعد ان الخالق دفع من خلال هذا الامر السيء في الظاهر امراً آخر اسوء منه.
ومثل هذه الظاهرة كثيراً ما تحدث في حياة الانسان، كما يؤيد العوفي ذلك عبر روايته للحكاية التالية من احد الكتب القديمة:
(كان فيما مضى رجل زاهد من احدى القبائل العرب، وكان اهل قبيلته يتبرّكون به، ويستأنسون ويتسلّون بمواعظه ونصائحه. وفي احدى الليالي اتفق ان ماتت جميع كلاب القبيلة، فجاء اليه اهل القبيلة في الغداة وقالوا له: لقد ماتت كلابنا البارحة دون سبب ظاهريّ. 
فقال لهم: لقد كان صلاحكم في هذا الامر، فقد اراد لكم الخير منه، فرجعوا، وفي الليلة التالية مات جميع ما كان عندهم من دجاج، فذهبوا في اليوم التالي الى الرجل الزاهد وقالوا له: مات دجاجنا. 
فأجابهم: لقد ذخر الله لكم كلّ الخير في ذلك ولكنكم لاتعلمون. 
فقالوا: وما الخير في ذلك وقد ماتت كلابنا التي تحرسنا، وهلكت ديكتنا التي كانت تؤذّن لنا، وتوقظنا الصباح، ان في موتها لشراً مسطيراً!
وفي الليلة التالية جهد القوم من اجل ان يوقدوا ناراً، فلم يعمل مقدحهم، ولم تنطلق منه النار، فاستولى عليهم الخوف والهلع، وبعد ان نهضوا من نومهم في اليوم التالي علموا ان عدوّاً هجم الليلة الماضية على النواحي التي يسكنون فيها، واعمل فيها النهب والسلب، الا انه لم يهتد اليهم سبيلاً لانه لم ير ضياءً، ولم يسمع اصوات الكلاب والدجاج، وبذلك نجوا منه، وتحققت نبوءة الرجل الزاهد!).
وعن ابن ابي سلم العسكري تستوقفنا في كتاب (جوامع الحكايات) حكاية مؤثرة معبرة يكشف من خلالها العوفي عن حكمة الله تبارك وتعالى في خلق مخلوقاته، وانه سبحانه لم يخلق شيئاً من مخلوقاته عبثاً، ومن غير حكمة، حتى بالنسبة الى المخلوقات التي تبدو في الظاهر ضارّة، عديمة الفائدة.
فلقد خلق تعالى كل شيء بقدر، واقام التوازن والتعادل بين مخلوقاته، فما من حبّة في ظلمات الارض الاّ يعلمها، وما من رطبٍ ولا يابسٍ الاّ في كتاب مبين.
فسبحانه وتعالى من قادر مقتدر، ومن عليم محيط بكل شيء، ومن مدبر حكيم اتقن كل شيء صنعه، وجعله بمقدار لايحيد عنه، كما يتجلى لنا ذلك في الحكاية التالية: (اصيب رجل بالفالج، وطالت به علته حتى زالت عنه قوّته، ولم يعُدْ بامكانه الكلام، فجاؤوا به الى عسكر (مكرّم)، فلم يستقبله ايّ شخص في بيته، فنبذوه في الصحراء، وكان في الصحراء عقارب كثيرة، فلسعته في تلك الليلة، فبدت علامات الصحة عليه، وانطلق قدر من لسانه بالكلام.
وفي الصباح رآه اصحابه، فتعجبوا من امره، وسألوا احد الاطباء عن ذلك فقال لهم: ان سبب هذا القدر من الصحة الذي اقبل عليه هو لسعة العقارب، فنقلوه من هناك، واعتدل مزاجه بعد ذلك بعد ان تلقى قدراً قليلاً من العلاج).
وهكذا يقول العوفي معلقاً على هذه الحكاية - فقد اظهر الخالق تعالى- آثار قدرته، وحكمته فجعل لسعة العقرب سبباً للشفاء، والسمّ القاتل مادّة للحياة، حتى يعلم العقلاء ان ولاية الاماتة والاحياء هي في قبضة قدرته، «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» (الشورى، 11).
ومن الحكايات والقصص الاخرى التي يسردها العوفي والتي تمتلك قيمة تاريخية لكونها تعكس لنا جانباً من الاوضاع السياسية والاجتماعية التي كان يعيشها المسلمون في اواخر العصر العباسي.
حكاية وقعت احداثها في البصرة عندما كان الزِنُجْ مسيطرين عليها، وعلى ولاتها وحكامها، فكان الامر والنهي بأيديهم، ولم يكن الولاة يستطيعون فعل شيء ازاء بطشهم وقوتهم.
وبذلك فقد اطلقوا ايديهم في الرعية ينهبونهم، ويسلبونهم، ويرتكبون المذابح والمجازر بحقهم، وربما اعتدوا على اعراضهم وشرفهم.
فلنستمع الى هذه الحكاية كما ينقلها لنا العوفي في كتابه: (عندما خرج البُرقعي في البصرة، واحاطت به جماعة من الزنوج والاوباش، فأطلق ايدي الغوغاء، ووهب اموال الناس الى الزنوج، كان أعين بن محسن احد هؤلاء الزنوج الذين تسلطوا على البرقعي، فحدث ذات يوم ان قبضوا على فتاة علوية، وارادوا ان يهتكوا عفتها، امام البرقعي الذي لم يستطع ان يمنعهم كعادته من ارتكاب هذه الفعلة الشنعاء.
فقالت الفتاة للبرقعي: انقذني من الزنج، وفي مقابل ذلك سأعلمك دعاءً يجعل السيف لا يعمل فيك، فطلب البرقعي ان تقترب منه وقال لها: علّميني اياه. 
فقالت الفتاة: من اين لك ان تعلم ان هذا الدعاء مستجاب؟! قرّبه اولاً عليّ بكل ما تمتلك من قوّة حتى اذا ايقنت انه لم يعمل فيّ علمت ان الدعاء هو سبب ذلك، وحينئذ ستعرف قدره، فأهوى البرقعي بالسيف عليها، فسقطت الفتاة في الحال، وماتت، فتندم البرقعي، وعلم ان قصدها من ذلك كان المحافظة على عفتها لكي لاتتعرّض للاعتداء وندم الجميع، واستحسنوا ما فعلته...).
مستمعينا الاكارم، وتحت عنوان مزيج الماء والتراب يروي لنا العوفي حكاية تدور بين رجل زنديق، واحد القضاة من المرجح انها حدثت في العصر العباسي حيث انتشرت الزندقة، وشاع الالحاد، وحيث كان المسلمون وشخصياتهم الدينية المخلصة منهمكين في الدفاع عن معتقداتهم من خلال مناظرة هؤلاء الزنادقة. هلاّ حدثتنا عن خبر هذا الزنديق وكيف استطاع القاضي ان يفحمه في الجواب؟
يقول العوفي: (ان رجلاً زنديقاً حضر عند اياس القاضي، وقال له: يا قاضي المسلمين ان اكلت تمراً فهل يصيبني منه ضرر في ديني؟ 
فقال اياس: لا. 
فقال: فان تناولت معه قدراً من الحبّة السوداء؟ 
فقال: لا ضرر عليك. 
فقال: فماذا يحدث ان شربت معهما ماء. 
فقال القاضي: ذلك لك. 
فقال الزنديق: ان شراب التمر مؤلف من هذه الاخلاط الثلاثة فلماذا تحرّمونه؟ 
فقال القاضي: يا شيخ! ان القيت عليك شيئاً من التراب فهل سيصيبك ضرر؟ 
فقال: لا. 
فقال: فان صببت عليك قبضة من ماء فهل سيؤلمك ذلك؟
فقال الزنديق: لا. 
فقال: فان مزجت هذا الماء والتراب معاً، وصنعت منهما لبناً، ثم ضربت رأسك بها فماذا سيحدث لك؟
فقال: سينكسر رأسي!
فقال القاضي: كما انّ رأسك ينكسر هنا، فان عهد دينك سينكسر هناك، فلم يَجدْ الزنديق جواباً!).
احبتنا المستمعين الاكارم، نكتفي بهذا القدر من القصص والحكايات من كتاب (جوامع الحكايات ولوامع الروايات) لسديد الدين العوفي، آملين ان نكمل المشوار معكم في حلقة الاسبوع المقبل من برنامجكم (عبارات واشارات)، فحتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الالهية. شاكرين لكم حسن الاصغاء والمتابعة.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة