لانزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات، ومن دقائق المعاني، فما يجدر بقارئ الدعاء ان يلم بها اذا اراد بان يحصل على الفائدة المتوخاة من قراءة الادعية وقد سبق ان حدثناك عن احد الادعية وهو: الدعاء الذي يتلى في محراب الامام علي(ع) بمسجد الكوفة، حيث لاحظنا في لقاءات ماضية بان الدعاء المذكور يتضمن رسماً حالة او لهيئة قارئ الدعاء من حيث ملامحه الخارجية والداخلية، مثل مد يده ورفعها، ومثل جلوسه العادي وجلوسه الجاثي "أي: بروكه على الركبة" واخيراً وهذا ما نعتزم ان نحدثك عنه الان هذه الهيئة المرتبطة بعينيه ودموعه، حيث يقول النص "الهي جاءك العبد الخاطئ، فزعاً مشفقاً، ورفع اليك طرفه حذراً راجياً، وفاضت عبرته مستغفراً نادماً".. ان هذه الفقرة الاخيرة من الدعاء هي امتداد لفقرات سابقة اوضحنا خلالها ما تعنيه هذه الملامح الجسمية من دلالات، وما تتضمنه من رموز الى الحالات النفسية التي تطبع سلوك القارئ للدعاء.. ونحن الان نحاول كذلك ملاحظة: هذا الجانب في فقرة الدعاء المذكور...
اذن لنتحدث ...
ان الحالة النفسية لقارئ الدعاء تظل ـ كما المحنا سابقاً ـ مرتبطة بملامحه الخارجية، منعكسة عليها،.. بالنسبة الى ما نحن حياه هو: فزع الشخصية واشفاقها وهي حالة نفسية بطبيعة الحال .... وقد يسال قارئ الدعاء عن الدلالة اللغوية لهاتين الحالتين: الفزع والاشفاق، فنقول له: الفزع هو الخوف الشديد وليس الخوف العادي، ولابد ان يكون العبد كذلك... واما الاشفاق فهو ذو دلالات متنوعة يجمعها ما يطلق عليه "رثاء الذات" أي حالة نفسية خاصة يختلف منها الخوف والخير والحرص والعطف على الذات، وحينئذ اذا اجمعنا بين ظاهرتي الخوف الشديد من جانب، ورثاء الذات من جانب آخر: امكننا ملاحظة ذلك عند تعرض الاطفال مثلاً الى شدة لا يتحملونها عادة حيث يختلط لديهم الخوف الشديد مع عطفهم وحرصهم على ذواتهم... والمهم الان هو ملاحظة هذه الحالة الخاصة النابعة من احساس الفرد بخطيئته مع ما يتبعها من رسم الحالة الجسمية لقارئ الدعاء وهي حالة رفع طرفه وافاضة عبرته... بالاضافة الى ان كلا من رفع طرفه وافاضة عبرته يقرن بحالة اما نفسية او لفظية، حيث يمكنك ملاحظة ذلك جيداً في فقرات الدعاء المذكورة ... ونطلب منك ملاحظة ذلك جيداً من جديد، حيث يرفع قارئ الدعاء طرفه مصحوباً بحالة نفسية هي الحذر والرجاء، وحيث تفيض عبرته مصحوبة بحالة نفسية ولفظية ايضاً. وهي الاستغفار المصحوب بحالة الندم.... هنا نحسبك قد اختلطت لديك الاوراق وحصل لديك لون من التداخل بين الحذر والرجاء والندم والاستغفار وافاضة الدموع... الخ. ان هذه الحالات المتشابكة ليست حالات جزامية بل حالات رسمها الدعاء بدقة ملحوظة آن لنا ان نحدثك عنها من جديد...
ان اول ما ينبي لفت نظرك اليه هو: ان الدعاء رسم شخصية قارئ الدعاء بانها "العبد الخاطئ"... والعبد كما هو واضح: الشخصية التي تنسب الى سيدها ... واوضح سماتها هو الالتزام باوامر سيدها ... لكن: كما سبق ان لاحظنا الفارق بين الخطيئة وبين الذنب، حيث اذا قدر لك متابعة احاديثنا ... وقدر لك تذكر ما قلناه من الفارق بين مفهوم الذنب ومفهوم الخطيئة من ان الخطيئة من احدى دلالاتها هي: الذنب عرضاً لا ذاتاً كمن "يرمي صيداً كطائر مثلاً فتقع على الانسان" او يهدف الى ممارسة شيء قد يكون مباحاً او غير مباح، ولكنه يستتبع محرماً... وامثلة هذا السلوك تجعل الشخصية متصارعة مع ذاتها من حيث كونها لم تتعمد الخطأ بنمو يسلبها من النزعة الخيرة او العبودية لسيدها بل تجنح الى الخطأ وهي بين نزعتين متضادتين... والاهم من ذلك هو: الناتج من هاتين النزعتين وهذا مارسمه الدعاء من خلال دعاء قارئ الدعاء "فزعاً مشفقاً" أي خائفاً خوفاً شديداً من عمله من جانب ولكنه مشفق او اث لذاته من الجانب الاخر، أي: هو حريص ومنعطف عليها، لاحساسه بنزعة العبودية لله تعالى.
هذا فيما يرتبط بكون العبد خاطئاً، مشفقاً فزعاً.. ولكن: ماذا بالنسبة أي كونه قد رفع طرفه حذراً راجياً ثم بالنسبة الى كونه قد فاضت عبرته مستغفراً؟.... هذا ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله...
اما الان فحسبنا ان نستثمر تلاوتنا لهذا القسم من الدعاء وذلك بمحاسبة انفسنا، والتصميم على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******