نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا قادر، يا قاهر، يا فاطر،...). ويجدر بنا ان نبدأ بالحديث عن هذه الاسماء او مظاهر العظمة لله تعالى، ونبدأ ذلك بالحديث اولاً عن عبارة (يا قادر). فماذا نستخلص منها؟
لا نحسب ان احداً يجهل دلالة كلمة (قادر)، وهي صفة من صفات الله تعالى الدالة على كماله تعالى، حيث تسمى بـ (الصفات الجمالية) او (الصفات الثبوتية) كالعلم والارادة والحياة، ومنها القدرة.
بيد ان المطلوب هو ملاحظة هذه الصفة بالقياس الى ما قبلها وما بعدها واذا كنت متابعاً لقائنا السابق، حيث حدثناك عن صفتي (يا غافر)، (يا ساتر)، نجد ان صفة (يا قادر) جاءت مستكملة لما سبقها لتدل على مدى عظمته تعالى في رحمته، فان الله تعالى وهو غافر الذنب، وهو الساتر على الشخصية ذنبه، انما يفعل ذلك وهو (القادر) على العكس، اي عدم الغفران والستر على الشخصية الممارسة للذنب، ولكن العفو مع القدرة هو الرحمة الالهية التي يستهدف الدعاء توصيلها الينا. وهذا بالنسبة الى كلمة (يا قادر) ولكن ماذا بالنسبة الى كلمة (يا قاهر)؟
هذه الصفة بدورها مستمكلة لما سبقها، فان (القاهر) معناه الذي يقهر الوجود او العباد، بقدرته المطلقة، دون ان تستطيع اية قوة مفترضة على التمرد على الله تعالى، انه تعالى يقهر عباده بالموت، ولكن هذا القهر يتسم بالرحمة دون ادنى شك وهذه هي النكتة الدلالية التي ينبغي ان ننتبه عليها، حيث ان كل فعل من افعاله تعالى هو الخير المحض. الم نلاحظ آية «فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» حيث ترد في سياقات مثل «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ، فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، حيث وردت النعمة بدورها في سياق جهنم التي اعدها الله تعالى للمجرمين واعاذنا تعالى منها.
بعد ذلك نواجه (يا فاطر)، ثم صفة (يا كاسر) ثم صفة (يا جابر) ولنتحدث ايضاً عن كل منها ونقف عند صفة (يا فاطر)، فماذا نستلهم منها؟
(الفاطر) تجئ متجانسة مع (الخالق)، ولكن الفارق بينهما هو: ان الفاطر يقترن بما هو مبتدع، اي مالا سابق له، بينما (الخالق) هو أعم من ذلك، فقد يُخلق ماله سابقة مثله، وقد لا يكون كذلك، فيصبح في الحالة الاخيرة ابتداعاً واختراعاً، وهو ما ينسحب على صفة (فاطر) والسؤال الآن هو: ما هو السياق الذي وردت فيه صفة (الفاطر)؟
في تصورنا ان هذه الصفة لها علاقة بما بعدها من الصفات، ومنها: صفة (يا كاسر) و (يا جابر).
فان هاتين الصفتين مثلاً تجيئان في مرحلة ما يسمى بالصفات الفعلية التي تعني انه تعالى يرتب اثراً على ما يخلقه، فهو: يكسر ما هو المجبور، ويجبر ما هو المكسور: تبعاً لما تتطلبه المصحلة، والسؤال من جديد، كيف نتصور السياق الذي يرد فيه مصطلح (يا فاطر) مع مصطلحي (يا كاسر) و (يا جابر)؟
في تصورنا او احتمالنا، ان النص يستهدف الاشارة الى ان الله تعالى وهو (الفاطر) اي، الذي يخترع مالا سابقة له، يرتب عليه اثراً فعلياً: هو كسر ما هو مجبور، او جبر ما هو مكسور مما خلق تبعاً لما تتطلبه حكمة السماء، مع ملاحظة ان الكسر ينسحب على ما هو مضاد للجبر، ولكن ـ كما كررنا ـ ان الكسر نفسه ينطوي على ما هو ايجابي دون ادنى شك.
يبقى ان نحدثك عن الصفات الاخرى في مقطع الدعاء، وهي صفات (يا ذاكر، يا ناظر، يا ناصر) وهذا ما نؤجل الحديث عنه لاحقاً ان شاء الله تعالى.
*******