نواصل حديثنا عن أدعية الزهراء (عليها السلام)، ومنها الدعاء الذي ورد فيه: (اللهم فرغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تعذبني وانا استغفرك، ولا تحرمني وانا اسألك) ، هذا المقطع يتضمن الاشارة الى الوظيفة العبادية التي خلق الله الانسان من اجل ممارستها تبعاً لقوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» (الذاريات،٥٦). كما يتضمن الاشارة الى توسلات العبد بان يغفر له الله تعالى ذنوبه، ويحقق آماله، ولا نغفل ان هذا المقطع قد تضمن قبل ذلك الاشارة الى الوالدين حيث توسل بالله تعالى بان يكافئ ابويه، ثم كل من له نعمة على العبد. من هنا يحسن بنا ان نبدأ بالاشارة الى مكافأت الوالدين والآخرين ممن لهم نعمة على قارئ الدعاء.
الملاحظ، ان النصوص الشرعية كتاباً وسنة طالما تربط بين طاعة الله تعالى وطاعة الوالدين، تأكيداً على حق الوالدين على الشخصية سنوات متعددة لا يمكن النهوض بذلك ما عداهما من سائر الاشخاص وهذا يستتبع بطبيعة الحال شكراً على خدماتهما، ولا يستطيع الولد مكافأة ابويه، لذلك توسل الدعاء بالله تعالى بان يكافئ والديه.
وهنا نطرح السؤال: الملاحظ ان الدعاء توسل بالله تعالى بان يكافئ ايضاً كل من له نعمة على قارئ الدعاء. فما هي اسباب هذا الربط بين الابوين والآخرين؟
الجواب: بما ان مساعدة الانسان لأخيه تقترن بوظيفة الاخ المساعد، وهي: الشكر له، حينئذ نستخلص بان الشكر للمخلوق هو شكر للخالق. لماذا؟
الجواب: ان تقديم المساعدة لها اهميتها في سلوك الشخصية. فأولاً: الشخصية السوية هي التي تقدم على مساعدة الآخر بصفة ان المريض نفسياً لا يقدم على مساعدة الاخر، انه منغلق على ذاته وأناه، اما السوي فنجده ينفتح على الاخر ويتجاوز اناه وذاته، وبذلك يستحق الشكر ايضاً.
والآن نتجه الى الموضوع الثاني وهو: (اللهم فرغني لما خلقتني له، ولاتشغلني بما تكفلت لي به) ان هذه الفقرة من الدعاء تتضمن في الواقع موضوعين احدهما: المهمة العبادية والاخرى: الرزق. ولكل فلسفته، كيف ذلك؟ بالنسبة الى العمل العبادي لا نحتاج الى تذكير العبد بان الهدف من خلق الانسان ليس هو: حياته الدنيوية بل حياته الاخروية الخالدة التي يتمحض فيها للتواصل مع الله تعالى اما الدنيا، فمجرد جسر او واسطة للعبور الى الحياة الابدية حيث يتوقف مصير الشخصية على مدى مايلتزمه من الاعمال المطلوبة منه وهي: العمل بما هو واجب ومندوب وتحويل ما هو مباح الى مندوب ثم، عدم ممارسة المحرم والمكروه. بهذا تتحدد المصائر البشرية.
اما الموضوع الثاني فهو: الرزق، فماذا نستلهم من العبارة: (لا تشغلني بما تكفلت لي به) ، واضح ان الرزق مضمون من الله تعالى ولا يتطلب الزائد عن الحاجة، ولكن المطلوب هو: العمل العبادي الذي اشرنا اليه قبل قليل وهو الالتزام بمبادئ الحلال والمندوب، ... الخ. والنكتة هنا هي: ان غالبية البشر يتركون ما ينبغي عليهم من العمل العبادي الملتزم ويشغلون بما هو مضمون لهم اي: الرزق، ان المطلوب هو العكس اي: السعي لما هو يتطلب جهاداً عبادياً، والقناعة بما هو مضمون، بينما الملاحظ هو العكس وهذا اكده الدعاء حينما توسل بالله تعالى باألا يشغل القارئ بما هو مضمون، ويهمل ما هو المطلوب عبادياً.
ختاماً امكننا ان نتبين دلالة ما قدمناه من النص، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******