نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها: أدعية الزهراء (س)، حيث حدثناك عن احد ادعيتها الخاص بتعقيب صلاة العصر، حيث ورد مايأتي: " اللهم: اني اشهدك واشهد ملائكتك وحملة عرشك، واشهد من في السماوات ومن في الارض، انك انت الله لاله الاانت وحدك لاشريك لك... الخ "... هذا المقطع من الدعاء هو " تناص " او " اقتباس " من القرآن الكريم في الآية المعروفة بالنسبة الى الاشهاد، المهم هو: ما يحمله المقطع من دلالة الاشهاد: تعميقاً لمفهوم الطاعة له تعالى، حيث ان الملائكة وحملة العرش ومن في السماوات والارض لاتفتر عن التسبيح لله تعالى، تعبيراً عن توحيده تعالى: كما هو واضح، ومن ثم فان الشخصية الاسلامية عندما تشهد الخلائق المشار اليها بان الله تعالى وحده لاشريك له: انما تفصح عن التأكيد لمفهوم التوحيد: كما أشرنا...
هنا فان التكملة لرسالة الله تعالى عبر انتخابه محمداً (ص) عبده ورسوله الى الخلق، انما تتمثل في الايمان بمحمد (ص) ايضاً وبأولي الامر: اهل البيت عليهم السلام... المهم: ان مقطع الدعاء بعد ان ينتهي من الاشهاد المذكور، يتجه الى تمجيده تعالى وتحميده وابداعه للكون، عبر العبارات الآتية:واسألك بان لك الحمد، لااله الاانت، بديع السماوات والارض "... ان هذه الفقرة من الدعاء تجئ تعقيباً على الاشهاد، حيث يتطلب الموقف " حمداً " لله تعالى من العبد، ومن ثم: استمرارية التمجيد عبر الفقرات الآتية: " يا كائناً قبل ان يكون شئ، والمكون لكل شئ، والكائن بعدما لايكون شئ "... ان هذه العبارة تتطلب وثوقاً للتدقيق في دلالتها التوحيدية... فماذا نستلهم ؟
قبل ان نحدثك عن هذه العبارة ينبغي تذكيرك بأنها جاءت بعد فقرة " بديع السماوات والارض " وهذا يعني ان مقطع الدعاء بعد ان أشار الى انه تعالى هو المبدع للوجود اتجه بعدذلك الى توضيح هذه الظاهرة، اي: ظاهرة انه تعالى هو الواحد،لاشريك له (كما ورد في بداية المقطع) وان وحدانيته في جملة ما تتمثل به هي انه تعالى " كائن " قبل كل شئ، والمكون لكل شئ، والكائن بعدما لايكون شئ، اي: انه تعالى هو: المتفرد في وجوده وهو المتفرد في ابداعه، وهو المتفرد في كينونته قبل كل شئ، وكذلك بعد كل شئ حيث ان الموت وفناء الموجودات هو المفسر بعبارة " الكائن بعدما لايكون شئ ": وهو تأكيد غير مباشر لتداعي اذهاننا الى التوحيد المذكور من جانب، والى فلسفة وجودنا وموتتنا وانبعاثنا لليوم الآخر من جانب آخر: كما هو واضح.
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً هو: " اللهم: الى رحمتك رفعت بصري، والى جودك بسطت كفي، فلاتحرمني وانا اسألك، والاتعذبني وانا استغفرك... الخ " من الواضح، ان هذا المقطع هو: امتداد لسابقه الذي يتناول تمجيد الله تعالى، حيث ان النصوص الشرعية طالما تشير الى ان العبد اذا اراد ان يستجاب دعاءه بالثناء على الله والصلاة على محمد وآله عليهم السلام، وهذا ما يفسر لنا مجئ هذه العبارات المتوسلة بالله تعالى بان يغفر لقارئ الدعاء ذنوبه،...الخ هنا يتعين علينا ان نحدثك عن الصور الفنية التي اعتمدها المقطع في توسله بالله تعالى، مثل عبارة " رفعت بصري " وعبارة " بسطت كفي "، حيث انهما عبارتان صوريتان، نحدثك عنهما في لقاء لاحق انشاء الله تعالى...
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى المزيد من المعرفة بمبادئ توحيده، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******