السلام عليكم أيها الأعزاء ورحمة الله، أهلاً بكم في لقاء اليوم مع دروس الحكمة والرحمة التي نستلهمها معاً من كنوز أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، نتابع الإستنارة في هذا اللقاء بالدعاء الجليل الذي أمرنا بتلاوته مولانا إمام العصر في عصر غيبته (عجل الله فرجه) وقد انتهينا إلي الفقرة التي يقول فيها الداعي: (اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم فكما هديتني لولاية من فرضت طاعته عليَّ من ولاة أمرك بعد رسولك صلواتك عليه وآله، حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعليا ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم المهدي صلواتك عليهم أجمعين، اللهم ثبتني على دينك واستعملني بطاعتك وليِّن قلبي لوليِّ أمرك، ...).
تقدم الحديث في الحلقة السابقة مستمعينا الأكارم عن معنى الميتة الجاهلية التي يطلب الداعي من الله عزوجل أن لا يميته عليها، وعرفنا أنّ المراد منها هو عدم معرفة إمام الزمان ومبايعته كما نصَّت عليه الأحاديث النبوية التي صحَّت روايتها من طرق الفريقين.
وهذا معنى تؤكـِّده تتمَّة الفقرة المتقدمة من الدعاء والتي تلوناها آنفاً، فهي تذكر أخطر مصاديق ميتة الجاهلية، وهي ميتة من يعرف الحقَّ ثم ينحرف عنه أي ميتة الزيغ بعد الهداية وبالخصوص بعد الإهتداء إلى ولاة الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعني (الزيغ) لغة هو الميل عن الحق ومنشؤُهُ انحراف الإنسان عن الحق والعمل بمقتضيات الإيمان، فإذا صدر من الإنسان ذلك حرمه الله توفيق حفظ أصل الإيمان أي الإعتقاد القلبي وبركاته كما يشير لذلك قوله عزوجل: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم» وعليه يكون معنى: (ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني)، هو: لا تمله عن الإيمان أي لا تسلبني توفيق الثبات على الهداية والإيمان.
أيها الإخوة والأخوات، واضحٌ من الفقرة المتقدمة من الدعاء المهدوي أنّ المقصود من الهداية هنا هو معرفة ومبايعة (ولاة الأمر)بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فهؤلاء هم الذين أوجب الله عزوجل طاعتهم وجعلها قرينة طاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في الآية ٥۹ من سورة النساء حيث قال عز من قائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ».
ويلاحظ في نصِّ الدعاء وصف هؤلاء بأنهم (ولاة أمرك)، أي ولاة أمر الله عزوجل، وفي ذلك إشارة إلى أنهم منصوبون من قبل الله عزوجل يهدون عباده إليه بأمره عزوجل، وأنهم أصحاب الأمر الإلهي بكل خصوصياته كالولاية التكوينية مثلاً؛ وهذا هو سر جعل طاعتهم طاعة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله). من هنا يتـَّضِحُ أنّ الهداية لمعرفة ولاة أمر الله بعد رسوله هي نعمة كبرى ينبغي أن يحرص الإنسان عليها ويطلب من الله عزوجل أن لا يحرمه منها بعد أن وفـَّقه إليها لأن في الحرمان منها ألزيغ عن الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ الذي يوصل الإنسان إلى الله عزوجل.
اعزائنا المستمعين، ونلاحظ في هذا الدعاء الشريف الإهتمام بذكر خلفاء النبي الأكرم الأئمة الإثني عشر بأسمائهم، مع أنّ من الواضح معرفة الداعي بهم، فما هو السرُّ في ذلك؟
قد ترجع الحكمة إلى الآثار المعنوية الخاصة التي يتركها على قلب الداعي ذكر هذه الأسماء المقدسة لما تشتمل عليه من نورانيةٍ خاصةٍ كما هو المستفاد من مخاطبتهم (عليهم السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة المروية عن إمامنا علي الهادي (عليه السلام) حيث يقول الداعي فيها: فما أحلى أسمائكم.
وإضافة إلى هذه النورانية الحاصلة من ذكر أسمائهم المقدسة الجميلة، فإنّ أصل ذكرها يثير في قلب الداعي مكامن محبَّتهم وموَّدتهم الفطرية أساساً والتي عزَّزها ورسَّخها الإهتداء إلى معرفتهم والإطلاع على كمالاتهم الفريدة.
ولا يخفى عليك مستمعي الكريم أنّ إثارة كوامن المحبة لشيء تثير في الإنسان مزيد الشوق للإحتفاظ به والحرص الممدوح عليه، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل طلب الداعي من ربه الجليل تبارك وتعالى أن لا يحرمه نعمة معرفة وولاية هؤلاء السادة الأطهار.
مستمعينا الافاضل، وثمة حكمة ثالثة نستفيدها من ذكر أسماء الأئمة الإثني عشر كاملة في فقرة الدعاء المتقدمة، وهي تنبيه الداعي إلى لزوم الإعتقاد والإيمان بهم كسلسلةٍ متـَّصلةٍ أي الإيمان بهم جميعاً وحدة واحدة وكنورٍ واحدٍ واتباعهم وطاعتهم جميعاً دون تفريق.
وهذه الحكمة نلحظها في نهاية الفقرة، حيث يطلب الداعي من الله عزوجل الثبات على دينه الحق والعمل بطاعته عزوجل، بعد أن يُقِرَّ بنعمة الإهتداء إلى معرفة ومُوالاة وُلاة الأمر الإلهي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وهذا يشير إلى تحقـُّق الثبات على دين الله والعمل بطاعته إنما يتحقق بموالاتهم وطاعتهم (عليهم السلام) جميعاً.
رزقنا الله وإياكم أعزائنا حسن الثبات والإستقامة على الدين الحق ببركة مودة وموالاة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، اللهم آمين، وبهذا ينتهي أعزائنا لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم له من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.