لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث ورد مقطع فيه علي هذا النحو: (اللهم اني أسألك بحرمة وجهك الكريم ان تجعل شهري هذا، خير شَهْرُ رَمَضَانَ، عبدتك فيه وصمته لك، وتقربت به اليك منذ اسكنتي فيه: أعظمه اجراً، واتمه نعمة، واعمه عافية، واوسعه رزقاً، وافضله عتقاً من النار، واوجبه رحمة، واعظمه مغفرة، واكمله رضواناً، واقربه الي ما تحب وترضي)، ان هذا المقطع من الدعاء، يحفل بموضوعات متنوعة لها اهميتها من حيث الحاجات التي سألها الدعاء كماً وكيفاً، والان الى الحديث عن كل حاجة من القائمة المذكورة ونبدأ ذلك اولاً باسلوب التوسل ثم بتحليل ذلك.
لقد توسل الدعاء بحرمة وجهه تعالي، حيث سبق ان اوضحنا في لقاء متقدم تحليلاً لفلسفة القسم بوجه الله تعالي، ثم توسل الدعاء بان يجعل تعالى الشهر المذكور خير شهر صامه العبد بالقياس الي السنوات الماضية من صوم شَهْرُ رَمَضَانَ المبارك، حيث ان التوسل يجعل الشهر الاخير خيراً من السابق له نكتته وهي: ان العبد كما ورد في النصوص الشرعية ينبغي ان يكون يومه أفضل من أمسه، والا اذا تساويا فهو غبن، واما اذا كان الامس والعياذ بالله تعالي افضل من اليوم، فذلك خسار.
بعد ذلك يتقدم الدعاء بقائمة من الحاجات المرتبطة بهذا الشهر، وهي: (عبدتك فيه وصمته لك، ... الخ)، اذن: ان كلاً من العبادة والصوم وسائر ما نحدثك عنه: تظل موضع أهمية القارئ للدعاء، واول ذلك هو: العبادة وهنا نتساءل: ما المقصود بالعبادة ثم ما صلة ذلك بالصوم، حيث جعلهما النص مفردتين؟
العبادة في دلالتها العامة هي: كل ما يمارسه الانسان من السلوك الذي امره تعالى به، او نهاه عنه أو ندب اليه اوكرهه، او أباحه، ويظل (الصوم) احد مصاديق ذلك، من هنا نفهم نكتة دلالية هي: الابتداء بمطلق السلوك، ثم: العرض لمصاديقه التي لاحظناها في المقطع، حيث جاء الصوم أول القائمة من الحاجات بصفته هو المناسبة التي ورد الدعاء فيها، اي: بعد صلاة العيد الخاصة بانتهاء شهر رمضان المبارك، والسؤال الان: ماذا نستلهم من عبارة: (افضل شَهْرُ رَمَضَانَ عبدتك فيه، وصمته لك)؟
من حيث العبادة ذكرنا ان السلوك بعامة هو: تجسيد لمفهوم العمل العبادي، مما يعني ان الدعاء يتوسل بالله تعالي بان يجعلشَهْرُ رَمَضَانَ المبارك افضل شهر مارس فيه القارئ للدعاء وظيفته العبادية، سواء اكانت صلوات أو شعائر اخري، او كانت اعمالاً فردية او اجتماعية الخ. واما بالنسبة الي الصوم فان ما تعنيه كلمة (أفضل) هو: ان يكون الصوم قد اقترن بما يتناسب مع فضيلة الصوم حيث نعرف تماماً ان الافضل هنا هو: ان يصوم الانسان (ليس في الامتناع عن الطعام والشراب) فحسب، بل بصوم جوارحه جميعاً بمعني عدم صدور المعصية من قارئ الدعاء، كما هو واضح.
ويتجه الدعاء بعد ذلك الي حاجات متنوعة، يبدأ ذلك بما يرتبط بالشهر المذكور فيقول: (وتقربت به اليك منذ ان اسكنتني فيه)، هذه العبارة عامة او مطلقة بدورها، وسنري ان ما توسل به مقطع الدعاء من الافضلية انما هو من حيث الاجر، والنعمة، والعافية، ... الخ علي نحو ما نحدثك عنه لاحقاً (ان شاء الله تعالي) اما الان فحسبنا ان نشير الي دلالة (التقرب) بالقياس الي ما ورد مثله من العبادة والصوم، فماذا نستلهم من العبارة؟
واضح ان كل الاعمال التي: (تقرب) الي الله تعالي، لا اشراك فيها لسواه تعالي، ومن ثم: فأن الاخلاص في العمل لله تعالى يظل هو التجسيد الناجح لعملية او لوظيفة الانسان عبادياً. ولذلك اوردها مقطع الدعاء: تأكيداً لأهمية النية المذكورة.
ختاماً نساله تعالى ان يجعلنا ممن مارس الصيام والعبادة مطلقاً خالصة لوجه الله تعالي، وان يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******