نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحدها، وانتهينا من ذلك الى مقطع بدأ على هذا النحو: (اللهم صل على محمد وآل محمد واقبل توبتي، وارحم عبرتي، واقلني عثرتي، ...الخ) .
ان هذا المقطع يتوسل بالله تعالى بأن يتفضل عليه الله تعالى بقبول التوبة وما يواكب ذلك من الاشارة الى التداعيات المقترنة بحصول الذنب والتوبة منه، ويعنينا ان نحدثك عن ذلك وفق التسلسل الموضوعي الذي رسمه الامام (عليه السلام) في جملة عبارات تنتظم مقطع الدعاء متجانسة ايقاعياً ودلالياً، بالنحو الذي سنبدأ بتوضيحه الآن.
الفقرة الاولى هي: الصلاة على محمد وآل محمد، تمهيداً لعرض الحاجات امام الله تعالى، مع ملاحظة ان النصوص الشرعية تشير دوماً الى ان الدعاء لا يستجاب الا في حالة ما اذا بدأ الداعي بالثناء على الله تعالى والصلاة على محمد وآل محمد، وهذا ما يفسر لنا نكتة ابتداء المقطع بالصلاة على محمد وآل محمد.
اما موضوعات المقطع فأولها هو: التوبة متمثلة في عبارة: (واقبل توبتي) ، هنا لا نحسب ان احداً بحاجة الى توضيح الدلالة التي تتضمنها التوبة، ولكن النكتة هي: التوبة مقترنة بما يليها من الافعال او المواقف، وأولها: البكاء على صدور الذنب، حيث جاءت العبارة مباشرة بهذا النحو: (وارحم عبرتي) .
والسؤال هو: ما هي فلسفة البكاء وانعكاساته على ممارسة الدعاء من قبل ومن بعد، اي: قبل الدعاء ثم من بعده؟ هذا مانبدأ بالقاء الانارة عليه.
(البكاء) تعبير عاطفي عن الشدة التي يعانيها الشخص، وهو نمطان، احدهما ايجابي والاخر سلبي، اما السلبي فهي العاطفة الدنيوية التي لا قيمة لها: كالبكاء على فقدان المال او اي متاع آخر. وهو تعبير عن المرض النفسي اي: اضطراب الشخصية من حيث تركيبها عصبياً. وعلى العكس من ذلك: البكاء الموضوعي: وهو البكاء من خوف الله تعالى او البكاء على الحسين (عليه السلام). ومن الواضح ان البكاء على الذنب هو: التعبير السليم عن الشخصية المتوازنة انه تعبير موضوعي وليس ذاتياً وذلك لان الموضوعي مرتبط بالغير وهو الله تعالى اي: ملاحظة عظمة الله تعالى ومخالفة أوامره مما يستتلي البكاء على هذه المعصية أو المخالفة لله تعالى. كما ان الله تعالى يشير الى اهمية هذه الدموع، بحيث تطفئ بحور الخطايا، كما ورد في الحديث.
بعد ذلك تواجهنا عبارة ثالثة هي: (واقلني عثرتي) ، هذه العبارة تحتاج الى توضيح واضاءة فنقول: العثرة هي تعبير مجازي يعني: تعثر الرجل في مشيه بحيث يقع على الارض او يطاله جرح او الم أو توقف - على الاقل- عن استمرارية المشي، وبذلك يعد هذا التعبير الاستعاري: تعبيراً عن سقوط الانسان في المعصية.
من هنا نتساءل: اذا كان العبد قد توسل اولاً بان يتوب الله تعالى عليه، ثم بكى على ما صدر منه، حينئذ فهذا يعني انه ندم على الذنب، فاذا ندم على الذنب، يتوسل بالله تعالى بأن يحجزه من ممارسة الذنب من جديد، وهذا ما عبرت عنه فقرة: (واقلني عثرتي) ، اي: تجاوز عن المعصية وهيئ لي الفرصة التي اتلافى بها هذا الذنب. لكن - مع ذلك- هناك حالات نفسية ينبغي على قارئ الدعاء ان يواكبها استمراراً للتوسل بالله تعالى وهو ما عبرت عنه فقرات لاحقة مثل (نفس كربتي) ، مما سنحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى التوبة وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******