بسم الله والحمدلله الذي هدانا للاستنارة بمناري هدايته المعصومين، كتابه القرآن الكريم وأعلام صراطه المستقيم محمد وآله الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
السلام عليكم اعزاءنا المستمعين، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج على ضفاف ينابيع الرحمة الالهية التي تزخر بها ادعية اهل بيت النبوة –عليهم السلام-، ومنها الدعاء الشريف الذي يستحب التوجه به الى الله جل جلاله قبل البدء بتلاوة ما تيسر من كتابه المجيد؛ والمروي عن امامنا جعفر الصادق –عليه السلام-.
ايها الافاضل، على مدى خمس وثلاثين حلقة من هذا البرنامج استلهمنا من هذا الدعاء الشريف كثيراً من آداب الصورة الشرعية التي يحبها الله تبارك وتعالى لتلاوة كتابه العزيز؛ ونختم في هذا اللقاء عن هذا الدعاء المبارك بنظرة اجمالية نلخص فيها أهم الدروس المستفادة من نص هذا الدعاء الشريف فتابعونا على بركة الله:
ايها الاطائب، نلاحظ في نص رواية هذا الدعاء المروية في كتاب الاختصاص للشيخ المفيد والاقبال للسيد ابن طاووس، ان الامام الصادق –عليه السلام- كان قبل البدء بالتلاوة يأخذ بيده اليمنى مصحف القرآن الجامع وينشره امامه، ونستفيد من ذلك أولاً لزوم اشعار القلب بلزوم احترام هذا الكتاب الالهي بأخذه باليد اليمنى، وثانياً استحباب ان تكون التلاوة في المصحف الجامع وليس في قطع او اجزاء مستقلة منه، وذلك ترسيخاً للايمان بأن القرآن كله من عندالله، وكذلك ترسيخاً لروح العمل بكل ما فيه وان كنا نتلو في كل مرة بعضاً منه.
وقد لاحظنا ايها الاحبة ان هذا الدعاء الشريف يشتمل عى شطرين، في الشطر الاول تجديد واستذكار للعقيدة الحقة بشأن منزلة هذا الكتاب الالهي المقدس، وفي الشطر الثاني طلب واستعانة من الله عزوجل لتلاوة ما تيسر من آياته بالصورة التي نحصل فيها على بركاتها والاستعاذة به تبارك وتعالى مما يحرمنا من بركات التلاوة.
مستمعينا الافاضل في الشطر الاول من هذا الدعاء الشريف يعلمنا مولانا الامام الصادق –عليه السلام- ان نستذكر وفي محضر الله عزوجل منزلة كتابه العزيز بقوله:
"بسم الله، اللهم اني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، وكتابك الناطق على لسان رسولك وفيه حكمك وشرائع دينك أنزلته على نبيك وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك".
وكما تلاحظون –أيها الأكارم- فأن الشطر الاول من هذا الدعاء الشريف يتضمن شهادة بمنزلة الكتاب الالهي ترسخ في قلب قارئه قدسيته لكل يتوجه عقلياً وقلبياً لتلاوته لأنه أولاً كتاب الله المنزل على احب الخلق اليه وسيد رسله المصطفى –صلى الله عليه وآله-، فهو بذلك سيد كتب الله وأعظمها قدسية الأمر الذي يجب أن يتوجه اليه المحمديون بكل وجودهم اجلالاً وتعظيما لمنزله تبارك وتعالى.
هذا اولاً وثانياً، فان هذا الكتاب الالهي هو الحاوي لاحكام الله في جميع شؤون الحياة وشرائع دينه عزوجل ولذلك يجب التوجه اليه بكامل الدقة للأخذ باحكام الله وشرائعه.
وثالثاً فان هذا الكتاب المقدس هو (العهد) الذي امر الله عزوجل عباده بتعاهده وحفظه لانه وسيلة ارتباطهم به تبارك وتعالى وحصولهم على مرضاته ولذلك يجب ان يتعاهدوه بتلاوته وحفظه بالعمل بما فيه.
ايها الاخوة والاخوات، وبعد هذا الاقرار التوحيدي بمنزلة القرآن الكريم يعلمنا امامنا الصادق –عليه السلام- للاستعانة بالله عزوجل لحفظ قدسيته بالالتزام بالآداب الشرعية لتلاوته، فيقول –صلوات الله عليه- في الشطر الثاني من دعائه المبارك:
"اللهم نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه تفكراً وفكري فيه اعتباراً، واجعلني ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قرائتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءةً لا تدبر فيها، بل اجعلني اتدبر آياته واحكامه آخذاً بشرايع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذراً، انك أنت الرؤوف الرحيم".
اذن مستمعينا الافاضل، فان من اهم الآداب الشرعية لتلاوة القرآن الكريم استشعار القارئ ان يقوم بعبادة مقدسة تبدأ من اصل النظر الى القرآن الكريم وتستمر في التفكر فيه والاعتبار، لذلك ينبغي ان يرسخ في قلبه اخلاص النية بالتقرب الى الله بالتلاوة لان الاخلاص هو شرط صحة العبادة.
وثانياً التفاعل العقلي والقلبي مع مضامين الآيات القرآنية من خلال التفكر فيها والتدبر في دلالاتها والاتعاظ بمواعظها والعمل بأحكامها وشرايعها الموصلة الى السعادة والفلاح.
وثالثاً: الاستغفار قبل التلاوة لازالة كل الغشاوات والغفلة التي تمنع القارئ من التوجه العقلي والقلبي للحقائق السامية التي تتضمنها الآيات الكريمة واجتناب ما يعيق التفكر والتدبر فيها كسرعة القراءة وعدم استشعار قدسية الكلام الالهي المقدس؛ وفقنا الله واياكم لتلاوته كما يحب ويرضى ببركة الاقتداء بصفوته المنتجبين محمد وآله الطاهرين –صلوات الله عليهم أجمعين-.
وها نحن نصل واياكم مستمعينا الاطائب الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم وفي امان الله.