البث المباشر

شرح فقرة "ولا تطبع عند قرائتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة"

السبت 30 أكتوبر 2021 - 19:04 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- شرح أدعية الإمام الصادق: الحلقة 28

بسم الله وله الحمدلله خالصاً اذ انعم علينا تفضلاً بمعرفة واتباع ثقلي هدايته ونبعي رحمته قرآنه الكتاب المبين وأهل بيت مصطفاه سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة من الله وبركات، اطيب التحيات نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نتابع فيها التعرف الى أمهات آداب تلاوة القرآن الكريم والتي جمعها لنا مولانا الامام جعفر الصادق –عليه السلام- في الدعاء الشريف قوله –صلوات الله عليه-:
"اللهم نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه تفكراً وفكري فيه اعتباراً، واجعلني ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قرائتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءةً لا تدبر فيها، بل اجعلني اتدبر آياته واحكامه آخذاً بشرايع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذراً، انك أنت الرؤوف الرحيم".
ايها الأحبة، انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة الى فقرة "ولا تطبع عند قرائتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة" لمعرفة الأدب الذي تهدينا اليه هذه الفقرة من الدعاء الشريف ينبغي ان نعرف أولاً معنى مفرداتها أي معنى الطبع على قلب الانسان وسمعه وجعل غشاوة على بصره.
وواضحٌ ان هذه المفردات مقتبسة من القرآن الكريم نفسه، فقد صرحت عدة من الآيات الكريمة بأن الذين يكفرون بآيات الله ويعرضون عنها والذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة وكذلك الذين يعبدون أهواءهم ويتبعون الشهوات، هؤلاء يعاقبهم الله عزوجل بأن يطبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم.
نقرأ في الآيتين السادسة والسابعة من سورة البقرة قوله عزوجل:
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ"
ويقول تبارك وتعالى في الآية ۱٥٥ من سورة النساء بعد ذكر انحرافات اليهود وكفرهم بآيات الله "وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً"
ونقرأ في الآيتين ۱۰۷و۱۰۸ من سورة النحل قول الله اصدق القائلين:
"ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"
وقال تبارك وتعالى في الآية ۲۳ من سورة الجاثية:
"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"
ايها الاحبة التدبر في هذه الآيات الكريمة ونظائرها يبين لنا ان الكفر بآيات الله بأي مرتبة من مراتبه حتى مرتبة الغفلة المشار اليها في الآية المتقدمة من سورة النحل، يستتبع مرتبة تناسبها من الحرمان من الهداية الالهية وهذا هو معنى الطبع على القلوب والاسماع والابصار فقد جاء في كتاب (الصحاح): "الطبع الختم... ومنه طبع الله على قلبه اذا ختمه فلا يعي وعظاً ولا يوفق لخير ولا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً".
وروي في كتاب عيون اخبار الرضا –عليه السلام- انه قال: (الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم)، وهذه عقوبة تكوينية ناتجة عن حقيقة الكفر واتباع الهوى فقد جاء في نهج البلاغة قول الامام علي أميرالمؤمنين –عليه السلام-:
من عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله واماتت الدنيا قلبه وولهت عليها نفسه، فهو عبدلها ولمن في يده شيء منها... لا يزدجر من الله بزاجر ولا يتعظ منه بواعظ)
مستمعينا الافاضل، وعلى ضوء التوضيحات المتقدمة نرجع الى فقرة لقاء اليوم من دعاء تلاوة القرآن، وهي قول الداعي "ولا تطبع عند قرائتي كتابك على قلبي ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة"
فمما تقدم يتضح ان الادب الذي نستلهمه منها فيما يرتبط بآداب تلاوة القرآن الكريم هو أن نتوجه الى الله عزوجل بالاستغفار القلبي من جميع مراتب الكفر والغفلة والذنوب والانشغال عن الآيات الالهية، لكي لا يطبع على قلوبنا ونحن نتلو كتابه فلا تتأثر بمواعظه ولا يجعل على أسماعنا وأبصارنا ما يشغلها عن التفكر والاعتبار بالآيات الكريمة التي نتلوها.
وهذا يعني ان آداب تلاوة القرآن الكريم الاستعانة بالله عزوجل لإزالة جميع الموانع التي تصد القارئ عن التنور العقلي والتأثر القلبي بما يتلوه من آيات الذكر الحكيم والاستغفار والتطهر منها؛ لكي يتوجه بكل وجوده الى ما يتلوه من الذكر الحكيم ويتعظ بمواعظه بالصورة المطلوبة التي ترفع درجاته وتعظم أجره وتقربه من الله عزوجل.
وبهذا نصل مستمعينا الاطائب الى ختام حلقة اخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله اعمالكم ودمتم في رعاية سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة