بسم الله والحمد لله الذي هدانا للتقرب اليه بالتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين كتابه القرآن المبين وعترة نبيه الاكرم سيد المرسلين –صلواته وتحياته عليه وآله الطاهرين-.
السلام عليكم أيها الاطائب ورحمة الله، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامجكم نتابع فيها التعرف الى ما ينبغي لقارئ القارئ أن يسعى له وهو يتلو آي الذكر الحكيم، نسعى لذلك من خلال التأمل في فقرات دعاء الاستعداد لتلاوة القرآن الكريم، ولازلنا في مقطعه الأول حيث يقول فيه مولانا ناشر السنة المحمدية النقية الامام جعفر الصادق –عليه السلام-:
"بسم الله، اللهم اني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، وكتابك الناطق على لسان رسولك وفيه حكمك وشرائع دينك أنزلته على نبيك وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك".
مستمعينا الأفاضل، من خلال تأملنا في وصف الدعاء للقرآن بان فيه حكم الله وشرائع دينه عزوجل، عرفنا في الحلقة السابقة أن مما ينبغي لقارئ كتاب الله أن يعرفه حقيقة ان عليه الاخذ بحكم الله من النبي الاكرم واوصيانه، لكي يتحقق له الاخذ الحقيقي لشرائع دينه عزوجل من كتابه الكريم، وهذا المعنى تؤكده كثيرٌ من النصوص الشريفة منها قوله عزوجل في الآية (٤۸) من سورة المائدة:
"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً"
وكما تلاحظون –أيها الافاضل- الآية تشير بوضوح الى أن الاخذ بالحكم النبوي المعصوم المستنبط من الكتاب الالهي هو مقدمة الاخذ بالشرائع الالهية الواضحة التي تضمن سير الانسان على الصراط الالهي المستقيم.
هذا أولاً وثانياً فان النصوص الشريفة تصرح بأن اخذ الشرائع القرآنية ايضاً ينبغي ان يكون بالاصالة عن النبي الاكرم –صلى الله عليه وآله- وبالتبع عن ابواب مدينة العلم المحمدي وهم أهل بيته المطهرين –عليهم السلام-.
ولذلك ورد في الحديث النبوي الشهير قوله –صلى الله عليه وآله-:
"الشريعة أقوالي"
وقال وصيه المرتضى الامام علي –عليه السلام- كما في نهج البلاغة:
"انما الناس رجلان: متبعٌ شرعة، ومبتدع سنة، ليس معه من الله سبحانه برهان سنة ولا ضياء حجة، وان الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فانه حبل الله المتين وسببه الامين وفيه ربيع القلوب وينابيع العلم وما للقلب جلاءٌ غيره"
وهكذا –أيها الاخوة والاخوات يتضح ان الانتفاع من ينابيع العلم القرآني والنجاة من البدعة يكون بأخذ حكم الله وشرائع دينه بواسطة براهين السنة النبوية النقية.
وهنا نلاحظ –أيها الافاضل- بلاغة نص الدعاء الشريف في نسبة الحكم والشرائع اليه جل جلاله في فقرة "وفيه –أي في القرآن الكريم- حكمك وشرائع دينك"، ثم تكرار مفهوم أن هذا القرآن هو منزل على نبيه الاكرم –صلى الله عليه وآله- حيث جاء في الفقرة اللاحقة من الدعاء:
"انزلته على نبيك".
فعندما نتامل في نص الدعاء نلاحظ بوضوح انه ينبه قارئ القرآن باستمرار على أن القرآن منزل على رسول الله والناطق بلسانه ثم يذكر بان فيه حكم الله وشرائع دينه ويعقب عليها بالتذكير مرة اخرى على أن هذا الكتاب المقدس انزله الله على نبيه –صلى الله عليه وآله-، وكل هذا التأكيد على ارتباط الكتاب الالهي بالرسول الاعظم يهدف الى ما اشرنا اليه من تنبيه قارئ القرآن الى لزوم ان يفهم ما يتلوه من آيات الذكر الحيكم على ضوء ما حكم به النبي الاكرم في موارد الاختلاف في فهم المقاصد القرآنية؛ لكي ينجو بذلك من تفسير القرآن بالراي والاهواء.
اعزاءنا المستمعين، ونلاحظ من جهة ثانية الدعاء الشريف يكرر مفهوم ان الله جلت حكمته قد انزل كتابه على نبيه لكي يبينه للناس، قبل ان يقول: "وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك"
فما الذي نستلهمه من هذه الملاحظة؟
في الاجابة عن هذا السؤال نقول: اننا نلمح في هذه الملاحظة أن فيها اشارة الى أن القرآن الكريم انما يكون عهد الله لخلقه والحبل الذي يرتبط به العبد بمولاه الجليل تبارك وتعالى اذا كان فهمه له على أساس البيان النبوي المعصوم وليس على اساس الفهم الناتج من الآراء والقناعات المسبقة والاهواء ففي هذه الحالة لا يكون ما يفهمه الانسان كتاب الله ولا عهده وبالتالي لا يكون في الحقيقة عهدالله الذي يتقرب به الانسان الى الله تبارك وتعالى ولا يكون وسيلة للارتباط الحقيقي به سبحانه.
وهذا في الواقع المضمون الاساس لحديث الثقلين المبارك وغيره من النصوص الشريفة الكثيرة.
والى هنا نصل احباءنا الى ختام حلقة اخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمه)، استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران... شكراً لكم وفي امان الله.