بسم الله والحمدلله الذي هدانا للتمسك بثقلي الفوز والفلاح والنجاة قرآنه المبين وعترة نبيه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نتابع فيها التعرف الى معالم الصورة الفضلى لتلاوة القرآن الكريم من خلال التدبر في فقرات الدعاء المستحب التوجه بها الى الله عزوجل قبلها والمروي عن مولانا الامام جعفر الصادق –صلوات الله عليه-، جاء في المقطع الأول منه:
"بسم الله، اللهم اني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، وكتابك الناطق على لسان رسولك وفيه حكمك وشرائع دينك أنزلته على نبيك وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك".
مستمعينا الافاضل، بعد أن تعرفنا في حلقات سابقة الى الدروس المستفادة من افتتاح الامام الصادق –عليه السلام- دعاءه ببسم الله تبارك وتعالى نصل الآن الى أولى مفردات الدعاء نفسه وهو مفردة "اللهم"، فما هو معناها؟
وما هي الحالة التي ينبغي أن يعيشها الداعي وهو يتلفظ بها؟
نبدأ أحباءنا بالسؤال فنرجع الى كتب اللغة بحثاً عن اجابته، فنقرأ في كتاب (لسان العرب) لابن منظور ما نقله عن العالم اللغوي الجليل ومؤسس علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، حيث ذكر تصريحه والموثوق بعلمهم من علماء اللغة أن مفردة "اللهم" هي بمعنى "يا الله" وأن الميم المشددة في آخرها هي بدل عن ياء النداء في أولها، وأن الضمة على الهاء قبل الميم هي ضمة الاسم المنادى المفرد؛ وهذا هو الرأي الذي تبناه البصريون من علماء العربية.
وهناك رأي آخر قد يكون مكملاً للرأي السابق نقله ابن عطية الأندلسي في الجزء الرابع من كتاب (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، وهذا هو الرأي الذي تبناه علماء اللغة من الكوفيين، ويقول ان الميم في آخر كلمة "اللهم" أي المتصلة بلفظ الجلالة "الله" هي مخفف فعل (أم) اي أقصد، فيكون المعنى هو: يا الله أم بفضلك ورحمتك كما نقل ابن عطية الاندلسي في تفسيره أو أن يكون معنى "اللهم": يا الله أمنا بخير أي أقصدنا بالخير كما نقل الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره (روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن).
فما المستفاد من كل ما تقدم؟
أيها الاخوة والاخوات، الذي يمكن أن نستفيده من كلا القولين هو أن مفردة "اللهم" تشتمل خطابا لله عزوجل على نحو النداء المباشر، لكنه ليس نداءً عادياً انما هو نداء طلب للفضل والخير والرحمة منه عزوجل.
ومن هنا تتضح أيضاً مستمعينا الاكارم اجابة السؤال الثاني الذي عرضناه آنفاً وهو: ما هي الحالة التي ينبغي أن يعيشها الداعي وهو يتوجه الى ربه الكريم بلفظة "اللهم"؟
فعلى ضوء معرفة معنى هذه المفردة نفهم أن الداعي ينبغي أن يستشعر يخاطب الله عزوجل بها- حالة الامل والطلب لفضل ربه الكريم وأن يشمله بلطفه وفضله ورحمته.
وحيث أن هذه المفردة يخاطب بها الداعي ربه الكريم في الدعاء الذي يستعد به لتلاوة ما تيسر من كتابه المجيد؛ من هنا يتضح ان ما يطلبه من الالطاف والفضل والرحمات الالهية ينبغي ان يرتبط بالدرجة الأولى بالعمل الذي يقوم اي دعاء التلاوة ثم التلاوة نفسها.
فتكون نتيجة ذلك أن الداعي هنا ينبغي ان يثير في قلبه وهو يخاطب ربه الكريم بلفظة "اللهم" مشاعر الأمل والرجال بأن يبارك في دعائه وتلاوته القرآنية ويعينه على أداء هذا العمل العبادي بالصورة المطلوبة التي يرتضيها الله عزوجل لعباده.
مستمعينا الأكارم، ان من العوامل المهمة التي تؤدي الى تحقيق الاعمال العبادية والاذكار الشرعية المطلوبة لآثارها التي ذكرتها النصوص الشريفة هو أن يفهم الذاكر معاني مفردات هذه الاذكار اولاً ويستذكرها باستمرار ثانياً ويعيش وجدانياً وقلبياً الحالات التي تحملها هذه المفردات ثالثاً.
ويتأكد هذا الامر في المفردات التي تتكرر كثيراً في الادعية والاذكار مثل مفردة "اللهم" اذ ان تكرارها يجعلها عادية بالنسبة للداعي الأمر الذي قد يغفله عن معانيها والدلالات التي تحملها. وهذه الغفلة هي من أهم العوامل التي تحرم الداعي والذاكر من الحصول على الثمار والبركات الكامنة في الاذكار الشرعية وتحول هذه الاذكار الى لقلقة لسان قليلة الخير والبركة بالنسبة له.
نشكر لكم ايها الاطائب طيب الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.