بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أتم نعمته علينا بموالاة ومحبة أوليائه الصادقين حبيبه المصطفى واهل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
سلام من الله عليكم أيها الاخوة والاخوات ورحمة منه وبركات، طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
ايها الاطائب، نبدأ في هذا اللقاء بالحديث عن العامل التاسع عشر من العوامل التي أمرنا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الاطهار) بالاستعاذة بالله منها لعظيم خطرها في حرمان الانسان من طيب الحياة وصفائها ونعيمها في الدنيا والآخرة.
وقد جاءت هذه الهداية النبوية في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف فلننور قلوبنا معاً بالاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقسم على الله بأعز أسمائه طالباً صرف تلك العوامل المدمره بقوله: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
مستمعينا الافاضل، كما لاحظتم في نص المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف فان العامل التاسع عشر من العوامل التي أمرنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بأن نطلب من الله عزوجل أن يصرفها عنها هو (حلول النقمة)، فما هو المقصود بهذا العامل، وما هي الاسباب التي تؤدي الى حلول النقمة؟ وما هي السبل العملية للنجاة منه؟
هذه هي الاسئلة المحورية التي نتناولها في الحديث عن هذا العامل، ونبدأ بالسؤال الاول منها، فاصل النقمة كما في صحاح الجوهري من (نقم) أي كره، واذا نسبت النقمة الى الله عزوجل كان المعنى هو مجازاته - جل جلاله- بالعقوبات على ما يكرهه من الخلق، ولذلك فان من أسمائه عزوجل اسم (المنتقم) جاء في كتاب الفروق اللغوية لابي هلال العسكري:
(الفرق بين الاساءة والنقمة، قد فرق بينهما بان النقمة قد تكون بحق جزاءً على كفران النعمة والاساءة لا تكون الا قبيحة، ولذا لا يصح وصفه تعالى بالمسيء وصح وصفه بالمنتقم، قال سبحانه: «وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ» (المائدة ۹٥)).
وجاء في موسوعة لسان العرب: (النقمة المكافاة بالعقوبة، والنقمة الانكار ... وفي الحديث أنه - يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما انتقم لنفسه قط الا ان تنتهك محارم الله ...).
أيها الاخوة والاخوات، الواضح من المراجعة المتقدمة للكتب اللغوية أن حلول النقمة هو مقابل دوام النعمة، وهو عقاب الهي يجري على أساس العدل الالهي الكامل ردعاً للناس عن ذنوب فيها انتهاك لمحارم الله او كفران للنعمة.
وعليه يتضح أن في باطن النقمة مرتبة من الرحمة الالهية مظهرها تطويق الفساد في الأرض؛ والا فان الله عزوجل غنيٌ حتى عن معاقبة العباد.
أما معنى حلول النقمة فهو: نزول هذا العقاب الالهي بالناس كما هو واضحٌ.
ومن ملاحظة المقابلة بين حلول النقمة ودوام النعمة يتضح ان اولى مراتب حلول النقمة هو زوال النعمة، ونزوال النعمة أسباب عدة تتمحور حول ارتكاب ذنوب مخصوصة، روي في كتاب الكافي عن امامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (ان الله قضى حتماً الا ينعم على العبد نعمة فيسلبها اياه حتى يحدث ذنباً يستحق بذلك النقمة).
اخوة الايمان، وتعرفنا الاحاديث الشريفة بتلك الذنوب المخصوصة والاكثر تأثيراً في سلب النعمة أي أولى مراتب حلول النقمة، فقد روي في كتاب معاني الاخبار للشيخ الصدوق مسنداً عن مولانا الامام السجاد زين العابدين (صلوات الله عليه) انه قال ضمن حديث عن آثار الذنوب: (الذنوب التي تغير النعم: البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف، وكفران النعم وترك الشكر، قال الله عزوجل: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ». والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله ... وترك صلة القرابة حتى يستغنوا وترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم ومنع الزكاة حتى يحضر الموت وينغلق اللسان؟).
مستمعينا الافاضل، ولحلول النقمة مرتبة أخرى أشد من مجرد زوال النعم وهي نزول العذاب، وهذا ما سنتناوله بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) تستمعون له دوماً من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. شكر لكم على طيب المتابعة ودمتم بكل خير.