بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد والمجد عصمة المعتصمين وملاذ التائبين تبارك وتعالى الغفور الرحيم والصلاة والسلام على ابواب رحمته والوسيلة الى مغفرته ورضوانه حبيبه المصطفى المختار محمد وآله الاطهار.
السلام عليكم مستمعينا الاطياب ورحمة الله وبركاته، معكم في حلقة اليوم عن برنامجكم (ينابيع الرحمة)، نتابع فيها استلهام دروس التربية الالهية من خلال التأمل في فقرات احد غرر ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) وهو الدعاء الموسوم بدعاء الحجب او الاحتجاب المروي عن سيد الخلائق اجمعين حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله). نقرأ اولاً كامل المقطع الختامي من هذا الدعاء المبارك وهو: (اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الأعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاحبة، انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة الى فقرة: (الخطايا والذنوب)، اي ان نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) يعلمنا هنا ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف ويبعد عنا ومن يهمنا امره وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الخطايا والذنوب، فما المقصود بها وهل ثمة فرق بين الخطايا والذنوب؟
في الاجابة عن هذا السؤال نقول: ان المستفاد من كتب اللغة وكذلك من الاستخدام القرآني لهاتين المفردتين أن معنى الخطيئة غير معنى الذنب؛ فمعنى الخطيئة هو العمل السيء المخالف للصواب سواءً كان عن عمد أو غير عمد، اما الذنب فمعناه في الاصل تبعة وأثر العمل السيء الذي يؤخذ به الانسان.
قال الراغب في معجم مفردات القرآن: (الخطأ العدول عن الجهة، وذلك أضرب [اي انواعاً عدة] احدها: ان يريد [الانسان] غير ما تحسن ارادته فيفعله عن عمد وهذا هو الخطا التام المأخوذ [اي المعاقب] به الانسان، قال تعالى: «ان قتلهم كان خطئاً كبيرا». والثاني أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد ... وهذا المعني بقوله [النبي] (عليه السلام): (رفع عن امتي الخطأ والنسيان) ... والخطيئة والسيئة يتقاربان لكن الخطيئة اكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً اليه في نفسه، ...).
وقال العلامة السيد حسن المصطفوي في كتاب التحقيق في كلمات القرآن في مادة (ذنب): (ان الاصل الواحد في هذه المادة هو التبعية مع قيود التآخر والاتصال والدناءة وبملاحظة هذه القيود تطلق [مفردة الذنب] على الاثم الذي يلحق الاثم ويتبعه من دون ان ينفصل عنه وهو دنىء وكريه في نفسه).
مستمعينا الافاضل، من هنا نفهم بان ما نطلبه من الله تبارك وتعالى في هذه الفقرة هو ان ينقذنا من الوقوع في الخطايا، اي في كل عمل سيء سواءً تعمدنا الخطأ فيه او لم نتعمده، وكذلك ان يطهرنا من آثار الاعمال السيئة اي من الذنوب، وهذا هو معنى مغفرة الذنوب.
وهنا نشير الى ان الخطأ غير المقصود وغير المتعمد وان كان لا يستتبع أثماً وعقاباً اخروياً استناداً الى الحديث النبوي المشهور وكذلك لعدة من الآيات القرآنية الا انه لله بطبيعة الحال آثاراً تكوينية ضارة بالانسان مبعدة له على سيره التكاملي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
فمثلاً الذي يشرب الخمر وهو يظنه شراباً عادياً غير محرم، لا يأثم من جهة كونه قد اخطا دون عمد، ولكن اضرار الخمر المادية والمعنوية تصيبه بطبيعة الحال وان لم يستتبع عمله العقاب الاخروي.
وهذا هو - مستمعينا الافاضل- السر في تاكيد النصوص الشريفة على التزام الانسان المؤمن عرى الاحتياط في مختلف شؤونه الحياتية، لان الاحتياط وسيلة انقاذه من الوقوع في السيئات على نحو الخطأ غير المتعمد واصل الوقوع في السيئات وان لم يأثم الا ان له تبعات سيئة في تنغيص الحياة الطيبة، روي في كتاب الامالي للشيخ الطوسي مسنداً عن الامام الرضا (عليه السلام) قال: ان امير المؤمنين (عليه السلام) قال لكميل بن زياد فيما قال: (يا كميل اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت)، وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (اياك ان تعمل برايك شيئاً وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد اليه سبيلا، واهرب من الفتيا هروبك من الاسد).
وقد عقد العلامة المجلسي في الجزء الثاني من موسوعة بحار الانوار باباً تحت عنوان (التوقف عند الشبهات والاحتياط في الدين)، جمع فيه طائفة من النصوص الشريفة الحاثة على ذلك، منها ما في امالي الصدوق عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) قال: (الامور ثلاثة: امر تبين لك رشده فاتبعه وامر تبين لك غيه فاجتنبه، وامر اختلف فيه فرده الى الله عزوجل).
وفي كتاب الخصال عن الصادق (عليه السلام) قال: (اورع الناس من وقف عند الشبهة) وفي كتاب المحاسن عن الباقر (عليه السلام) قال: (الوقوف عند الشبهة خيرٌ من اقتحام الهلكة).
مستمعينا الافاضل، اما آثار الذنوب في تنغيص الحياة الكريمة الطيبة فهي واضحة اكدتها كثيرٌ من النصوص الشريفة، اذ ان تبعات السيئات تحرم الانسان من الاستفادة السليمة من فرصة الحياة الدنيا لطي مسير التكامل والرقي كما انها تحرمه في الآخرة من السعادة الابدية.
ومن الثابت عقائدياً ان الله عزوجل لم يحرم على الانسان الا ما فيه الضرر الماحق، ولذلك كانت الذنوب بمثابة القيود التي تجعل الانسان اسير الظلمات بعيداً عن عالم النور.
اذ فالنتيجة التي نخلص اليها مما تقدم ان حبيبنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) يعلمنا في هذه الفقرة من دعاء الحجب الشريف ان نحرص عن اجتناب كل السيئات سواءً صدرت عنه عمد او خطأ غير متعمد وان نسعى لتطهير قلوبنا من الاثم وتبعات المعاصي طالبين من الله عزوجل ان يعيننا على ذلك ويدفع عنا الخطايا والسيئات وتبعاتها ببركة التوسل اليه بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
وختاماً تقبلوا منا مستمعينا الاكارم جزيل الشكر على كرم طيب متابعتكم لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) لكم دوماً من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات ودمتم بخير.