بسم الله وله عظيم الحمد وخالص الثناء إذ أكرم عباده بمناجاته وجعلها وسيلة لعبادته وقربه ونيل فضله، وأزكى صلواته على أبواب رحمته العظمى للعالمين محمد وآله الطيبين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين ورحمة الله، أهلاً بكم أيها الأطائب في حلقة أخرى من هذا البرنامج، ندعوكم فيها لمرافقتنا في وقفة تأملية في عبارة أخرى من العبارات النيرة التي إشتمل عليها أحد أهم أدعية أهل بيت الرحمة الإلهية وهو الدعاء الموسوم بدعاء الحجب أو الاحتجاب، وقد رواه السيد ابن طاووس في كتاب (مهج الدعوات) عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وذكر أنه ألهم الالتجاء به الى الله عزوجل في المهمات فجاءت الاستجابة ملبية للمراد.
جاء في المقطع الأول من هذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه، يا من تسربل بالجلال والعظمة وأشتهر بالتجبر في قدسه، يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده، يا من انقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره، يا من قامت السماوات والأرضون مجيبات لدعوته).
أيها الأكارم، بلغ بنا الحديث عن هذا المقطع الى عبارة: (يا من تسربل بالجلال والعظمة)، فما الذي نستلهمه من هذه العبارة من دروس الحياة الطيبة؟
قال علماء اللغة، تسربل بالسربال، أي لبسه، والسربال هو القميص والملبس الذي يستر به الإنسان نفسه ويظهر به في الملأ العام، أو الذي يتقي به الحر ويصدق على الورع الذي يستخدم في الحرب، كما يشير لذلك قوله تبارك وتعالى في الآية ۸۱ من سورة النحل وهو يذكر نعمه على العباد: «وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون».
هذا بالنسبة للخلق، أما بالنسبة لله جل جلاله، فالتعبير عزوجل مجازي بالطبع فهو سبحانه وتعالى منزه عن جميع أشكال الجسمية، فالمراد به هنا هو المظهر الذي يتجلى به جل جلاله للخق فيستر به سره المكنون من جهه ومن جهة ثانية يكون سبباً لتقواهم منه وإجتنابهم سخطه، ولذلك فقد ذكر هذا الدعاء أن الله عزوجل بمظهر (الجلال والعظمة)، فما معنى كل منهما وما الفرق بينهما؟
جاء في كتب اللغة كمجمع البحرين والتحقيق في كلمات القرآن أن الجلال يعني العلو والعظمة ويقصد به العظمة المعنوية، وهو يعني التنزه عن جميع أشكال النقص والضعف، لذلك فهو يستبطن الجمال أيضاً من هذه الجهة؛ ويكون جديراً لذلك بالتكريم والتعظيم كما يشير قوله تبارك وتعالى في الآية الأخيرة من سورة الرحمان: «تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ».
كما أن هذا الجلال المنزه عن كل نقص وذم هو منشأ كل بركة كما تشير له الآية المتقدمه، كما أن البقاء والخلود قرين مظاهر تجلياته الكاملة أو وجهه حسب التعبير القرآني، حيث يقول تبارك وتعالى في الآيتين ۲٦و۲۷ من سورة الرحمان أيضاً: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ».
وفي ذلك إشارة الى قهاريته تبارك وتعالى فهو جديرٌ بالتقوى لقهاريته من جهة ولإستحقاقه بجلاله الجميل لكل إكرام وتعظيم، والتقوى من مصاديق الإكرام والتعظيم.
مستمعينا الأفاضل، اما العظمة فقد جاء في كتب اللغة أنها ضد الحقارة، والعظيم هو الذي قد جاوزت قدرته حدود العقول فلا تقدر على الإحاطه بكنهه وحقيقته، والفرق بين الجلال والكبرياء والعظمة هو أن الجلال من كمال الصفات الإلهية والكبرياء من كمال الذات الإلهية، أما العظمة فهي من كمال الذات والصفات الإلهية.
ولذلك فإن العظمة ما كانت مرتبطة بالذات الإلهية فهي مختصة بالله عزوجل، مثل الكبرياء ولذلك ورد في الحديث الشريف: (من تعظم في نفسه يلقى الله غضباناً).
أما العظمة في الصفات فيمكن وصف غيره عزوجل به، مثلما وصف الله خلق رسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله) بوصف «خُلُقٍ عَظِيمٍ»، ووصف النبأ في سورة عم بالعظيم وغير ذلك.
أيها الأخوة والأخوات، ووصف هذا الدعاء الشريف لربنا الجليل بأنه ظاهر لخلقه بالعظمة يشير الى أن أي أمر يطلبه الداعي منه تبارك وتعالى لا يمكن بحال أن يصعب عليه لأنه عزوجل العظيم الذي لا يتعاظمه شيء، وقد جاء في الحديث القدسي المروي في أمالي الصدوق ضمن وصايا الله تبارك وتعالى لكلمته عيسى بن مريم (عليهما السلام): (يا عيسى تب إلي فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين).
وروي في الكافي عن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عزوجل بعث نبياً من أنبيائه الى قومه وأوحى له: ...
قل لهم: إن رحمتي سبقت غضبي فلا تقنطوا من رحمتي فإنه لا يتعاظم عندي ذنب أن أغفره).
أيها الأطائب، نخلص مما تقدم أن وصف دعاء الحجب لله تبارك وتعالى بأنه الذي تسربل بالجلالة والعظمة يبعث في قلب الداعي وفي آن واحد روح التقوى من الرب الجليل إكراماً له وروح الثقة بالرب العظيم القادر على تلبية ما يطلبه منه مهما كان صعباً في نظره لأنه الذي لا يتعاظمه شيء تبارك وتعالى أرحم الراحمين.
وبهذه الملاحظه ننهي أعزاءنا لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمه) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.