البث المباشر

مصاديق صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)

الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 14:50 بتوقيت طهران

الحمد لله رب العالمين، وأشرف الصلوات علي النبي المصطفي الصادق الأمين، وعلي آله النجباء الميامين.
إن ثقة الناس معقودة بأمانة والصدق، فمن كانت سيرته بينهم قد أثبتت أنه صادق في أقواله وأفعاله صدقوه في أي مدعي ادعاه، كذلك من كانت حياته بينهم قد عرفت بالأمانة اتمنوه علي اموالهم وحرماتهم، وحتي علي اعتقاداتهم وتلك الأقوام السالفة، لم ينقل عنها إلا إقرارها بصدق أنبيائها ورسلها، وأمانتهم ونزاهتهم، فلم يقولوا إلا ما أثبته الوقائع وأيدته الأيام، واعترفت به الحقائق علي مدي التاريخ، ولم يصدر منهم فعل إلا ما طابق القول، صدقا وحقا، ولم يؤتمنوا علي شيء - مهما صغر أو كبر أو أغري - إلا أدوه، إذ كانت سجيتهم الوفاء، والزهد والنقاء، وكذلك كان رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حتي عرف في الجاهلية قبل أن يبعث في الأربعين من عمره الشريف، بـ"الصادق الأمين" وليس قليلاً أن يقر أناس في عصر كذاك شاهدين علي رجل أربعيني أنهم لم يقفوا له طيلة حياته الشريفة علي كذبة - صغيرة ولا كبيرة، في جد أو مزاح، في قول أو فعل -، كذلك لم يعهدوا منه أية خيانة - في مال أو حرمة أو عهد أو علاقة -. ثم لم يكتفوا حتي لقبوه بهذين اللقبين الشريفين، خصوصهما له دون غيره، في مجتمع ماجت بأحواله المفاسد والحروب، والعقائد الباطلة!

*******

نسعى للتعرف على بعض مصاديق صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اقواله وافعاله، لنستمع في هذا الخصوص ما يقوله سماحة السيد علي الموسوي الباحث الاسلامي من مملكة البحرين في الاتصال الهاتفي التالي:
السيد علي الموسوي: اعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الامي المكي التهامي الذي بشر به الباري تعالى بقوله: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» ونجد من ابرز مظاهر صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ابرز مظاهر صفاته واخلاقه وسجاياه انه الصادق في القول والعمل وهو صادق قولاً وفعلاً ومن ابرز ما يؤكد هذا المعنى هو قوله (صلي الله عليه وآله): «ما امرتكم بشيء الا وكنت سابقكم اليه» يأمر النبي (صلي الله عليه وآله) بالامانة وهو من يسبق هذه الامة وبالتالي في القول يعني مايشهد به اعداءه مشركي مكة، كانوا يشهدون بصدقه حينما ارادوا وضع الحجر في مكانه فقالوا ان اول من يدخل علينا من باب بني شيبة هو من يحكم بيننا فيمن يضعه فأقبل رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأجمعوا وقالوا جميعاً «ها قد اقبل الصادق الامين» فأعداءه ومن ناوئوه ومن تتبعوه كانوا يشهدون له بصفة الصدق هذه الصفة الجليلة في نبينا (صلي الله عليه وآله)، لم تلزم عليه موقف او قول خلاف الصدق وهذا من لوازم العصمة وهذا ما اجمع عليه عموم اهل الملة ان النبي (صلي الله عليه وآله) معصوم ومن لوازم هذه العصمة صدقه (صلي الله عليه وآله)، هذا في جانب القول ولزوم ان يكون النبي (صلي الله عليه وآله) صادقاً لتبلغنا الرسالة ايضاً صادقة ونطمئن الى تعاليم هذه الرسالة الالهية وتفاصيلها ولو جاءتنا من غير صادق كيف نسلم لها وكيف نأخذ بها ومن لطف الله تبارك وتعالى ان جعل نبيه الصادق الامين (صلي الله عليه وآله) واما الفعل فهو صادق في فعله، في شجاعته، في تصديه لأمور هذه الامة وما الى ذلك، لم يكن في فعله مراهن حاشاه، لم يكن في فعله معجب بل كان في فعله قمة التواضع وعمق الصدق في سيرته (صلي الله عليه وآله) فالفعل والقول في نبينا (صلي الله عليه وآله) اصله الصدق ومنطلقه الصدق ومن آثاره الصدق ونحن نرجو لكل من يكون في موقع قيادي من اي مستوى كان ان يتصف بصفة الصدق كما كان عليها نبينا «انَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».
نجد ايضاً من ابرز آثار النبي (صلي الله عليه وآله) كأمثلة عملية الى صدقه في القول والفعل يعني من ابرز اقواله (صلي الله عليه وآله) هو صدقه في القول هي الوثيقة المشهورة التي وضعت في الكعبة المشرفة لما اشار الى اهل مكة ان تلك الوثيقة قد اكلتها الدودة وفعلاً انه لما جاءوا الى تلك الوثيقة وجدوا ان الدودة قد اكلت تلك الوثيقة ولم تبق منها الا بأسمك اللهم، في جانب آخر في اقواله الصادقة لما بشر المسلمين لما عزموا على غزوة بدر قال انكم منتصرين في هذه المعركة وحتماً تقرر النصر الالهي والذي اثبت الباري تعالى لهذه الامة صدق النبي في قوله وفي نقله (صلي الله عليه وآله) وكان النصر المؤزر حليف المسلمين اما على مستوى الفعل كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو الصادق في افعاله يأمر المسلمين بالبر، بالاحسان، بالكرم، بالشجاعة وكان يجسد هذا عملياً فهو اكرم الناس وهو اشجع الناس وهو مبادر الى فعل الخيرات مثلاً كان يأمر الناس الى عيادة المرضى وكان يشير الى حتى من يخالفك في الدين والمعتقد ان تأتيه وتزوره وفعلاً لما افتقد ذلك اليهودي الذي كان يؤذي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، كان كلما مشى في الطريق آذاه فأفتقده ليومين وسأل عنه وقال: اي فلان.
قيل له: مريض.
قال: قوموا بنا لعيادته فكان المبادر الى عيادته واذا بذلك اليهودي يظهر الندم والاسف لأذيته لرسول الله (صلي الله عليه وآله) ويسلم على يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) اما ايضاً مثال آخر حينما يأمر الناس للجهاد في سبيل الله كان يجسد هذا المعنى عملياً فكان اول القوم في الجهاد في سبيل الله حتى انه كان يبرز لهم اموراً عملية انه يتأذى بما يتأذى به عموم المجاهدين وقد كسرت رباعيته وشجت جبهته وسالت الدماء على كريمته وهذا صدق في العمل وهناك امثلة كثيرة يعجز الانسان عن ذكرها في هذا الوقت المختصر الموجز ونسأل الله ان يجعلنا ممن يقتدي بنبينا صلى الله عليه وان نكون من الصادقين في القول والعمل ان شاء الله.

*******

في غرر حكمه، ودرر كلمه، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الصدق أشرف خلائق الموقن". أجل، ومن أوثق يقينا من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وكان المصطفي (صلي الله عليه وآله) سيدهم في أشرف الخلائق الكريمة الفاضلة، ومنها الصدق ذلك الصدق الذي اطمئن له قومه وهم مشركون، جاء في (الطبقات الكبري) لابن سعد الواقدي أن ابن عباس روي يقول: لما أنزلت الآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» (الشعراء، ۲۱٤) صعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الصفا فقال: يا معشر قريش!
فقالت قريش: محمد علي الصفا يهتف!
فأقبلوا واجتمعوا فقالوا: مالك يا محمد!
قال (صلي الله عليه وآله): أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل، أكنتم تصدقونني؟
قالوا: نعم، دنت عندنا غير متهم، وما جابنا عليك كذبا قط.
قال (صلي الله عليه وآله): "فإني نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة"، حتي عدد الأفخاذ من قريش ثم قال (صلي الله عليه وآله): "إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة، ولامن الأخرة نصيباً، إلا أن تقولوا: لا اله إلا الله".
وروي ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب)، حيث كتب يقول: - روي أنه لما نزل قوله تعالي: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ»، صعد رسول الله ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه!، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: مالك!؟
قال (صلي الله عليه وآله): "أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، ما كنتم تصدّقوني؟"
قالوا: بلي.
قال: «فإني نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
نعم، لم تنكر قريش علي رسول الله صدقه، بل لم تستطيع ذلك إلا أن تغالط الواقع، وتتنكر للحقيقة الساطعة، ولم تكذبه لأنها لم تجرب عليه كذبا قط - كما اعترفت له بذلك علي مرأي ومشهد ومسمع أفخاذها بني فلان وفلان، وهذا مافسح في المجال للنبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) أن ينقل إلي الملأ نداء الله تبارك وتعالي، إذ هو في القوم رائدهم (صلي الله عليه وآله)، كتب الشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) أن قتادة روي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) خطب ثم ّقال: "أيها الناس، إن الرائد لايكذب أهله، ولو كنت كاذبا لما كذبتكم والله الذي لا اله إلا هو، إني رسول الله إليكم حقاً خاصة، وإلي الناس عامّة. والله لتموتون كما تنامون، ولتبعثون كما تستيقظون، ولتحاسبون كما تعملون، ولتجزون بإلاحسان إحساناً، وبالسّوء سوءاً، وإنها الجنة أبداً، والنار أبداً".
أجل، قدقه الناس حتـّي مشركوهم، ولكنهم أبوا إلا أن يكذّبوه، حيث خشوا علي مصالحهم التي رأوها أمرهم إلي شاب يتيم فاقوه في السن ّ والمال! جاء في (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبيّ: أن أبا جهل طاف بالبيت ليلة ومعه الوليد بن المغيرة، فتحدّثا في شأن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنّه لصادق!
فقال له الوليد: مه! ما دلّك علي ذلك؟!
أجابه أبو جهل: يا أبا عبد شمس، كنّا نسمّيه في صباه الصادق الأمين: فلما تمّ عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن؟! والله إني لأعلم أنه صادق.
فسأله الوليد بن المغيرة: فما يمنعك أن تصدّ قه وتؤمن به؟!
أجابه أبو جهل: تتحدث عنّي بنات قريش أني قد اتّبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة! واللاّت والعزّي إن اتبعه أبداً.
أجل، والحقّ يقال أن تسليم الرؤؤس والرؤساء أصعب من تسليم غيرهم، وأن صدق النبيّ ونقاءه مما لا يستطيع أحد إنكاره، حيثما هما الحقيقة التي حيّرت المنكرين، وقد سبق منهم اعتراف من قبل، ثمّ جاء تصديق وإقرار من بعد، حتي قالت إحدي زوجات النبي ّ: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها (صلي الله عليه وآله).

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة