البث المباشر

دعائم الحاكمية الإلهية في الأرض

الثلاثاء 18 يونيو 2019 - 14:22 بتوقيت طهران

الحمد لله وليّ النّعماء، وأزكي الصّلاة والسّلام علي المصطفي سيّد الأنبياء، وعلي آله الهداة الأمناء.
إنّ هذا الخلق الذي نعيشه ونعايشه، مبنيٌّ علي قاعدةٍ رحمانيّةٍ ربّانيّة، اصطلحَ عليها العلماء بـ (قاعدةِ اللّطف الإلهيّ)، فوجودُ الإنسان علي الأرض نعمةٌ وتكريم للإنسان نفسه، مقترنةٌ تلك النعمة ُ بألطافٍ جمّة، منها أنّ الله جلّت رحمته - قد خلق في هذا الإنسان عقلاً مميّزاً، وحوّاس معينةً علي الحياة السالمة، وبعث له الأنبياء والّرسل، وأنزل إليه الكُتب والشرائع، وأنار له سبيل السعادتين: الدنيويّة والأخرويّة، الماديّة والمعنويّة، البدنيّة والروحيّة وكان من اللّطف الربّانيِ في تكريم الإنسان ورعايته وهدايته، أن هيّأ له السّنن التي ينظّمُ من خلالها حياته الفرديّة والأسريّة، ثمّ حياته الاجتماعيّة. فكانت الدساتيرُ الإلهيّة تتري عليه تثبّتُ معالم الحاكميّة، حتـّي قبل أن يكون هنالك مجتمعٌ بشريٌّ واسع، بل كانت الحاكميّةُ ولم يكن علي وجه البسيطة إلاّ أسرةُ أبينا آدم وأمّنا حوّاء وعددٌ من أبنائهما. فكانت الحاكميّة وعلي رأسها نبيّ من بعده وصيّ- قبل أن تكون رعيّة، وكان قد أعدّ النظام، قبل أن يكون سعةٌ في الأنام.
وهنا يتساءل متسائل: ما هيَ - يا تري- دعائم الحاكميّة الإلهيّة في الأرض؟
لعلّ أهمّ دعامتين في الحاكميّة الإلهيّة، ضرورتين: المصدرُ الربّانيّ للحاكميّة في الناس علي الأرض، والمدّ الإلهيّ للحاكميّة، التي بدأت - كما اقتضت مشيئةُ الله تبارك وتعالي وحكمته جلّ وعلا- بنبيّ هو آدم أبو البشر (سلام الله عليه)، واستمرّت - أوّل ما استمرّت بعده- من خلال وصيّ، هو شيثُ هبةُ الله (سلام الله عليه)، فوضعت القواعد الأولي بوحيٍ من الله جلّ وعلا، فإذا أراد الناس أن يمضوا علي هديً من الله، وبصيرةٍ وعلمٍ وتوفيق، فما عليهم إلاّ متابعةُ النبيّ، والتسليمُ له ولمن بعده وهو الوصيّ، وإلاّ ضلّوا وأضلّوا، وفسدوا وأفسدوا، وعموا وعمهوا، وتحيّروا وحيّروا. قال أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) في ما أوصي به أحد خواصّه وهو كميل بن زياد: يا كميل، هي نبوّةٌ ورسالةٌ وإمامة، وليس بعد ذلك إلاّ: موالين متّبعين، أوعامهين مبتدعين، إنّما يتقبّل اللهُ من المتّقين.
ثمّ بعد ذلك لابدّ من التأييد الإلهيّ لأنبيائه، ومن بعدهم لأوصيائه، لتستمرّ شريعةُ الله سبحانه في الأجيال علي مدي الأزمان، إيماناً بها وتطبيقاً لها، فكانت معاجزُ رُسلُ الله وسفرائه إلي الملأ شاهدةً مشهودة، وكانت كرامات الوصييّن والأئمة المهدييّن شاهرةً مشهورة، حججاً لله عزّوجلّ بالغة، أعجزت المتحدّين، وخذلت المجادلين والمغالطين، وأشارت كلّها إلي عناية الله ربّ العالمين.
وتلك خيبرُ لا تزال تشهدُ للإمام عليٍّ (عليه السلام) وقد قَلعَ بابها بعد عجزِ العشرات من المسلمين عن تحريكها، حتـّي قال فيه ابنُ أبي الحديد وهو معتزليُّ المذهب، يخاطبه بأعجاب:

اي هازم الأحزاب ... لا يثنيه عن

خوض الحمام مدجّجٌ ومدرّعُ

يا قالعَ البابِ الذي عن هزّهـــا

عَجزَت أكُفٌّ أربعون وأربعُ

وكان (عليه السلام) قد قال من قبل مقسماً: واللهِ ما قَلعتُ باب خيبر، ودكدكتُ حصنَ يهود، بقوّةٍ جسمانيّة، بل بقوّةٍ إلهيّة.

*******

إذن يتضح أن ثمةَ نمطاً من التأييد الإلهي الخاص لخلفاء الله في أرضه وحججه علي عباده، وهذا التأييد يتمايز عن التأييد العام الذي يحبو به الله جل جلاله سائر المؤمنين من عباده، فهو تأييد يتناسب مع حجم المهمة العظيمة والمسئولية الجسيمة التي كلف الله بها خلفاءه في أرضه وحججه علي عباده وثمة أمور أخري يتميز بها حجة الله عزوجل عن سائر البشر يحدثنا عنها سماحة الشيخ فيصل العوامي في الإتصال الهاتفي التالي:
المحاور: ثمة امور يتميز بها حجة الله عزوجل عن سائر البشر يحدثنا عنها سماحة الشيخ فيصل العوامي الباحث في الشؤون القرآنية والفقهية من السعودية.
الشيخ فيصل العوامي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين.
لقد اجابنا القرآن الكريم على هذا التساؤل اجابة في غاية الدقة والمتانة حيث بين لنا بأن اهم ما يتميز به حجج الله، الحجج الالهية من الانبياء والاوصياء عليهم الصلاة والسلام على سائر البشر امر يتعلق بالعقل واخر يتعلق بالروح اما الذي يتعلق بالعقل فهو اليقين واما الذي يتعلق بالروح فهو الصبر الذي يؤدي الى التسليم بأمر الله سبحانه وتعالى وهذا الامر لخصته آية مباركة في سورة السجدة حيث قال تعالى «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً» ورتبة الامامة هي ارقى الرتب الدينية «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» اي انهم ما اصبحوا بتلك الرتبة الا بهاتين الصفتين «بما صبروا» الامر الذي يعود الى الروح والقلب،«وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» الامر الذي يعود الى العقل، كمال العقل في اليقين وكمال الروح والقلب في الصبر وانما ارتقى نبي الله ابراهيم درجات ورتب بعد ان نجح في الامتحان الالهي من هاتين الجهتين، يقول تعالى «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ»يعني نجح نجاحاً كاملاً، قال: «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» قبل ذلك كان كما في الروايات كان اماماً ثم ارتقى رتبة فأصبح رسولاً ثم ارتقى رتبة فأصبح خليلاً ثم ارتقى الرتبة الكبرى والعليا فأصبح اماماً، متى اصبح اماماً؟ الاية تقول «فَأَتَمَّهُنَّ» الكلمات التي الله جل وعلا ابتلى بها ابراهيم عليه الصلاة والسلام ما هي؟
اولاً: الصبر الذي يؤدي الى التسليم لأمر الله عندما نجح في ذلك الامتحان الكبير المتعلق بذبح ابنه اسماعيل «فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ».
والثاني: اليقين عندما قال له الله سبحانه وتعالى «أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» يعني انا مؤمن ولكن اريد ان ازداد يقيناً فالسبب الجوهري الذي بفعله ارتقى ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الى تلك الرتبة العليا انما ينحل الى اليقين العقلي والصبر الروحي وامير المؤمنين سيدنا ومولانا علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه انما تفوق على الانبياء وعلى ابراهيم الخليل لأنه كان من جهة العقل لا يحتاج لزيادة يقين يعني كان اعلى رتبة من جهة العقل كما قال: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» ابراهيم كان على يقين ولكن طلب الزيادة، امير المؤمنين وصل الى رتبة حق اليقين فلا يحتاج لزيادة ابداً، هذه المسائل بسببها يرتقي الانبياء والرسل والاوصياء ويتميزون على سائر البشر بل عندنا في الروايات ان اهل البيت عليهم الصلاة والسلام كانوا يميزون على اصحابهم على اساس اليقين والصبر كما في شأن سلمان الفارسي ومقداد وابو ذر الغفاري الذين تفاضلوا على بعضهم البعض من جهة اليقين وقد اكد القرآن ايضاً بالنسبة لبعض الاوصياء كما في شأن يوشع بن نون ان الباري جل وعلا جعله وصياً مع انه كان له قرين في الرتبة فلهذا لما سأل سلمان الفارسي نبينا الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) قائلاً له: «يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك».
سكت رسول الله وبعد حين طلب سلمان وقال: يا سلمان من وصي موسى؟
قال: يوشع بن نون.
قال: ولم؟
قال: لأنه كان اعلمهم آنئذ اي كان اقواهم يقيناً واليقين هذا تجلى في مراتب متعددة وفي اماكن متعددة في تعامله مع بني اسرائيل لهذا ارتقى لهذه الرتبة.
اذن ما يتميز به الحجج الالهية على سائر البشر بل على بعضهم البعض يتميزون باليقين العقلي وبالصبر على مستوى الروح.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لكل خير واياكم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين.

*******

إنّ الأنبياء والرّسل (عليهم السلام) مُنذرون، جاؤوا بما أراد اللهُ تعالي فبلّغوا أوامره ونواهيه، ثمّ إنّ أوصياءهم (عليهم السلام) من بعدهم هداةٌ إلي ما جاؤوا به، ومن هنا جاء قولُه تعالي مخاطباً نبيّه (صلّي الله عليه وآله): «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(سورة الرعد، ۷).
جاء في (جامع البيان) للطبريّ، و(التفسيرالكبير) للفخر الرازيّ، و(الدرّ المنثور) للسيوطيّ، و(كنز العمّال) للمتّقي الهنديّ وغيرها لغيرهم، أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله) وضع يده الشريفة علي صدره فقال: (أنا المنذر)، ثمّ وضعها علي منكب عليٍّ (عليه السلام) فقال له: أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون بعدي.
أجل، كلّهم هداة، ولكنّ الأمّة تضلّ بعد رحيل نبيّها، فيكون الوصيُّ هادياً إلي ما جاء به ذلك النبيّ، محكّمين كتاب الله في الناس، ومثبّتين فيهم ما أمر الله تعالي به ليهتدوا وهو القائل عزّ من قائل: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ» (سورة السجدة، ۲۳-۲٤) أي، وجعلنا من بني إسرائيل يومها أئمةً يهدون الناس بأمرنا، وإنّما نصبناهم أئمّةً هداةً للناس حين صبروا في الدّين، وكانوا - قبل ذلك- بآياتنا موقنين.
ومن هنا نفهم أموراً عدّة، إحدهما: ضرورةُ الإمامة بعد النبوّة، وآخرها: أنّ الأئمة الأوصياء إنّما يهدون الناس بأمر الله سبحانه، وعلي نوره ومنهاجه الذي أراد جلّ وعلا، والأمرُ الآخر: هو التأييدُ الإلهيّ لأولئك الأئمّة بالصبر في الدّين.
فالحاكميّة الإلهيّة أوّلاً للأنبياء والمرسلين، ثمّ للأئمّةِ الوصيّين، علي هديً من الله تعالي، ونورٍ منه وبصيرة، والناسُ بعد ذلك مقتدون، تابعون مسلّمون، علي خُطاهم مهتدون، وفي طريق الله سائرون.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة