الحمد لله كما هو أهله، وافضل الصلاة وأزكى السّلام على المصطفى ومن هم خاصّته وآله.
إنّ تدوين قصة شهادة الامام الحسين سلام ربنا عليه، أصبح ضرورة انسانية فرضتها الحياة على البشر، فمن اراد ان يكتب في تاريخ بني آدم، أو في تاريخ الاديان، أو في السيّر وتراجم الرجال، او في الاخلاق والقيم العليا، أو في حياة الاوصياء والاولياء. كان لابد أن يقف عند الامام الحسين، لاسيما عند شهادة الامام الحسين، وعند مبادئه العليا وقيمه السامية، ونهضته العظمى ووقفته الفريدة، وملحمته العجيبة.
وذلك ما استأثر بأهتمام أصحاب الفكر والقلم، حتى أملت عليهم رسالتهم الانسانية أن يكتبوا في قضية الحسين الكبرى ولو فصلاً يعرفوا بما جرى على سيد شباب أهل الجنة من المصاب الجلل، من قبل قوم كانوا يدّعون انهم من أمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ثم قتلوا سبطه وريحانته وحبيبه الحسين (صلوات الله عليه).
وتلك قضية لا تحتاج الى انتماء الى دين معين، أو مذهب بعينه، أو اعتقاد حتى بإمامة، فقد أقرّ بها كلّ أحد، وتكلم بها كل الناس اجيالاً بعد اجيال. وكتبت فيها قراطيس وفيرة صدرت عن جميع الاديان والمذاهب. كان منها ذلك القرطاس المسمى بـ (نور الابصار، في مناقب آل بيت النبي المختار) حبّر بيد عالم شافعي معروف. يدعي بالشيخ (مؤمن الشبلنجيّ الشافعيّ)، فمن هذا المؤلف؟
وأي شيء جاء في ذلك المؤلف؟! الى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
مؤلف (نور الابصار) هو السيد مؤمن ابن حسن مؤمن الشبلنجيّ، نسبة الى (شبلنجا) قرية من قرى (مصر). ولد سنة نيّف وخمسين بعد المئتين والألف هجرية، تربى في حجر والده، ثم قدم الجامع الازهر، واشتغل بالعلم على يد اساتذة معروفين، حتى دون بعض المؤلفات، كان اهمها كتاب (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار).
وذلك لأمرين مهمين:
الاول: أنّ الشبلنجي الشافعي صرف في كتابه هذا عناية خاصة لذكر فضائل اهل البيت ومناقبهم (صلوات الله عليهم)، وذلك عمل يحبه الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله).
والامر الثاني: في اهمية هذا الكتاب أن لتأليفه سبباً شريفاً، يذكره المؤلف نفسه في مقدمته حيث كتب يقول:
وبعد، فيقول فقير رحمة ربه المهيمن، السيد الشبلنجيّ الشافعيّ المدعوّ بـ (المؤمن): أصاب عينيّ رمد، فوفقني الله الفرد الصمد، لزيارة السيدة نفيسة بنت سيّدي الحسن الانور فزرتها وتوسلت بها الى الله، وبجدّها الاكبر، (أي الحسن المجتبى عليه السّلام) في كشف ما انا فيه، وإزالة ما اكابده وأقاسيه ونذرت، إن شافاني الله. لأجمعنّ كلمات من كتب السادة الاعلام، تشتمل على ذكر بعض مناقب أهل بيت النبيّ الكرام، فمضى زمن يسير فحصل الشفاء، فأخذت في الاسباب وعزمت على الوفاء.
والان اخوتنا الاحبة ندخل في كتاب الشبلنجي الشافعي، المسمى (نور الابصار، في مناقب آل النبي المختار).
فنراه يبدأه في الباب الول بذكر سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيمضي فيه مئة صفحة تقريباً، ثم ينتقل الى مواضيع وعناوين لا تمتّ الى منهج الكتاب ولا الى عنوانه بأي صلة، ذاكراً اسماء بعض الصحابة ومعرفاً بهم وناسباً اليهم وما هم من آل النبي (صلى الله عليه وآله) كما يذكر في صريح عنوان كتابه.
ثم يكتب فصلاً جديداً عنوانه: ذكر مناقب سيدنا علي بن ابي طالب ابن عم الرسول، وسيف الله المسلول ومن هنا يبدأ الشبلنجيّ الشافعي من جديد بمحاولة تحقيق عنوان الكتاب بذكر مناقب آل النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتطول وقفة الشبلنجيّ عند مناقب أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) ما تتجاوز ثمانين صفحة، لينتقل الى مناقب الامام الحسين المجتبى (سلام الله عليه). ثم الى مناقب الائمة الهداة، والاوصياء الولاة، والسادة الحماة. حتى ينتهي بالامام المهديّ المنتظر (أرواحنا فداه)، مستعرضاً لبعض شؤون حياتهم المباركة مرّة، ومعرّفاً مرّة اخرى، ومنبهاً الى فوائد وعجائب وكرامات مرة ثالثة وهو يعدد العناوين ويأتي بالروايات والاخبار الظريفة والنادرة أحياناً، في مناقب آل البيت النبويّ الشريف، لكنه في الفصل الذي يعنونه بالعبارة التالية: ذكر مناقب سيدنا الحسين السبط، ابن الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)، ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكتب تحته إلاّ صفحتين ونصف الصفحة، ليقف وقفة طويلة على قصة كربلاء، ومقتل سيّد الشهداء، ابي عبدالله الحسين (صلوات الله عليه)، وهذا ما يستوقفنا الحديث حوله، وحول خصائصه والملاحظات التي سجلت عليه.
*******